العودة   الموقع الرسمي للاعلامي الدكتور عمرو الليثي > الأقسام العامة > المنتدي العام
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-09-2009, 02:48 PM
علي الدين علي الدين غير متواجد حالياً
عضو
 

Post مستقبل الثقافة فى مصر؟

مستقبل الثقافة فى مصر؟

بقلم د.مأمون فندى
ليس هذا حديثًا عن طه حسين وعن كتابه الذى حرك المياه الراكدة فى مصر فى ثلاثينياث القرن الماضى، وإنما هو حديث عما دار فى الأسابيع الفائتة، وكيف حولنا من كانوا متعاطفين معنا إلى الناحية الأخرى، لدرجة أن بعضهم أصبح يمل أحاديثنا، إن لم نقل يبغضنا.

فى الغالب السؤال الذى يهتم به الناس هو كيف تحول الخسارة إلى مكسب، ولكن المهم هو أن ننظر فى الحالات التى تستطيع فيها الدول وكذلك الأفراد تبديد رأس المال السياسى والاجتماعى وتحويل المكسب إلى خسارة، وهذا ما نحتاج أن نتعلم فيه من دروس الآخرين.

خير مثال على «تحويل المكسب إلى خسارة»، حالة الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١، فيوم الاعتداء نفسه كان العالم كله، بما فيه أعداء الولايات المتحدة التقليديين، يقفون مع الولايات المتحدة، يؤيدونها ويناصرونها ضد الإرهاب الذى حل عليها دونما سبب، يومها شجب العالم ما قامت به القاعدة من تدمير وقتل، واستمر التأييد العالمى لفترة، حتى بدأت الولايات المتحدة سلسلة من ردود الفعل الحمقاء، فى السياسة وفى الإعلام، وتدريجيا انقلب التأييد إلى كراهية للولايات المتحدة ووسياساتها ورئيسها حتى وصلت الكراهية إلى شعبها.

لم يدرك الأمريكان يومها ما فعلوا، ولم يراعوا أنفسهم، ولم يطرحوا الأسئلة حول كيفية تحول تعاطف العالم معهم بعد تفجيرات ١١ سبتمبر، إلى كراهية، لم يسأل الأمريكيون أنفسهم تلك الأسئلة الصعبة، واستعاضوا عنها بسؤال ساذج، أطلقه برنارد لويس وجماعات كثيرة مغرضة، مفاده: «لماذا يكرهوننا؟».

لم ير الأمريكيون الذين أطلقوا سؤال «لماذا يكرهوننا؟» أن إعلامهم الذى وزع التهم فى كل اتجاه، كان المسؤول الأول عن موجة الكراهية تلك، عندما تعاطى الإعلام الأمريكى مع العالم من منطق أن أمريكا هى أقوى دولة فى العالم وأنها تستطيع أن تمسح أمما من على وجه البسيطة عن طريق قنابلها النووية، بما فى ذلك ضرب مكة المكرمة، وتأديب المسلمين، كره العالم أمريكا عندما طفت الشيفونية الأمريكية على السطح، وعندما أطلت وجوه أمريكا القبيحة عبر الشاشات التليفزيونية الأمريكية وعبر البوابات الإلكترونية، مطالبة بالثأر،

تلك الوجوه القبيحة كانت هى المسؤول الأول عن تحويل مظاهرة الحب والشفقة والتعاطف التى أبداها العالم تجاه أمريكا، وحولها إلى أمواج عاتية من الكراهية، التى بدأت فى العالم الإسلامى ثم تدريجيا بدأت تغطى العالم كله بما فى ذلك الدول الصديقة جدًا للولايات المتحدة الأمريكية بما فى ذلك بريطانيا وفرنسا. فى التجربة الأمريكية دروس للأفراد والجماعات والدول فى كيفية تحويل المكسب إلى خسارة وتبديد ما لديك من رأسمال وتحويله إلى حالة من الإفلاس السياسى والاجتماعى.

الدرس الأول يتمثل فى عدم توسيع دائرة الاتهام، فعندما كانت أمريكا تركز على القاعدة وعلى الإرهابيين، كان العالم كله معها، أما عندما توسعت دائرة الاتهام، بدأ الموضوع «يخر» من جوانب كثيرة و«يطرطش»، على أناس لم يكونوا طرفا فيما حدث، وكان ضرب العراق مثالا على ذلك، حيث أغضب الأمريكيون الكثيرين ممن تعاطفوا معهم فى البداية والذين لم يروا مبررا منطقيا لضرب العراق.

فقد تبنت أمريكا استراتيجية الكذب على الأصدقاء من أجل شن هجماتها، استراتيجية الكذب أفقدت أمريكا ما لها من رصيد عند الأصدقاء، ولم يتوقف الأمر عند العراق، بل دفع الكثيرين فى التشكيك فى أحداث الحادى عشر من سبتمبر ذاتها.

للأحداث نقطة انقلاب وتحولات «tipping point»، تنتقل فيها الكتله الحرجة من المؤيديين من البشر إلى أعداء بعد أن كانوا أصدقاء، وتلك النقطة، هى نقطة حساسة جدا، لابد أن يأخذها الأفراد والدول فى الاعتبار، نقطة هى أصل الداء والدواء فى آن واحد. تلك النقطة التى كتبت فيها كتب كثيرة هى ما يسميه العوام بــــ«زودها حبتين»، أو أن «الأمر قد زاد عن حده فانقلب إلى ضده». وهذه ممارسة يقع فى مغبتها الأذكياء والأغبياء معا.

درس أمريكا، تلك القوة العظيمة التى لديها الكثير من الأدوات لستر عورتها السياسية والإعلامية ومع ذلك فشلت، لم تتعلمه لا الدول الصغيرة ولا الأفراد ممن يتبنون الكذب استراتيجية، أو توسيع دائرة الاستهداف. الدول والأفراد فى أمس الحاجة لمراجعة التجربة الأمريكية فى تحويل الأصدقاء إلى أعداء؟ نتمنى أن نتعلم الدرس.

ظهرت فى مصر فى هذه الأيام أصوات لا تعكس، لا ثقل مصر الحضارى، ولا حتى رقيها الثقافى التاريحى، أصوات توزع التهم جزافا، ولا تقتصر على نقدها للجزائر بل تكره فينا العرب الآخرين، أصوات أصبحت عبئًا على صورة مصر بالخارج وكذلك مصدر تلوث ثقافى فى الداخل، أتمنى أن يكون لدينا الشجاعة لمراجعة النفس، وفرز القبيح من الحسن، فبلدنا جميل ولا يستحق أن تطفو على سطحه أصوات لا تعبر عن جوهره، أنا لا أدعو إلى إلغاء هذه الاصوات ولكن إلى أن توضع فى حجمها الطبيعى حسب نظرية النسبة والتناسب، نضعها فيما يتماشى مع حجمها فى المجتمع الأوسع، وظنى أنها أقلية.

بيدنا أن نحتفظ بتعاطف العالم معنا، ولا نغلط غلطة أمريكا، وبيدنا أيضا أن نحول هذا التعاطف إلى كراهية، ونصبح أشبه بأمريكا ليس فى العلم بل فى صناعة الكراهية. فهل لدينا الشجاعة الأدبية فى مواجهة النفس، أم أن مستقبل الثقافة فى مصر والذى رسم ملامحه طه حسين فى الثلاثينيات من القرن الماضى، سترسمه الغوغاء فى هذا القرن؟!

التوقيع: اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا
....
واعمل لاخرتك كانك تموت غدا
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مستقبل, مصر؟, الثقافة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع