إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-21-2011, 12:42 PM
شيماء حمادة شيماء حمادة غير متواجد حالياً
عضو
 

افتراضي عندما يبكى الجسد ...رؤية نقدية

رؤية نقدية

الدخول إلى عالم المراة أمراً مثيرا فى حد ذاته لما تتمتع به المرأة من سمات طبيعية وأنثويه خاصة وقد حاول الكثير من الكتاب الدخول إلى هذا العالم وكان من أشهرهم وأقدرهم على ذلك الكاتب الكبير العظيم إحسان عبد القدوس ؛ ولكن هنا فى هذه المجموعة القصصية التى نحن بصددها نرى المراة تفتح لك عالمها على مصراعيه لتريك من آياته عجبا فقد أثارتنى الدهشة من تلك المجموعة للقاصة المصرية ندى إمام عبد الواحد تحت عنوان (عندمـا يبكى الجسد )
أولا : لما يحتويه العنوان من معنى مغاير يجذب القارىء! فكيف يبكى الجسد ؟ ولماذا يبكى ؟ وثانيأ: لأن الكاتبة أنثى ونادراً ما تدخل الكاتبات الشرقيات إلى عوالم الجسد .

وجاءت قرائتى للمجموعة بكل الإجابات فرأيتنى أمام نصوص جريئة ولكنها لاتهتك حجاب الحياء بل يصاحبها متعة التذوق الفنى والقراءة والغوص فى آبار عميقة داخل الجسد ؛ فالنصوص فى ترحال دائم داخل عوالم جسدية متنوعة ما بين أمرأة متزوجة ومطلقة وفتاة محبة وعانس وأرملة وكهلة ولكنها لا تترك القارىء هائما على وجهه بل أنها تجذبه إلى الهدف المراد باشكال عدة وأساليب مبتكرة وعبر دورانات فى فلك تلك النصوص ليصيبك الاندهاش من جرأة غير مألوفة فى قصة ( ثقب الباب ) ثم ترتطم بعنف التخيل الذى يمارس من خلال بطلة قصة ( حلم كاذب ) مما يجعلك تحبس الأنفاس فى انتظار ما ستحمله نهاية القصة ثم لا تلبث ان تنقاد بمهارة فائقة وراء بطلة قصة (مرثية ) حيث تكتشف وأنت تسير مع معاناة وشقاء وعذابات بطلة القصة والتى تقوم بسرده بمنتهى الياس والألم لشخصية أخرى لا نعلم كنها منذ البداية ولكننا نعلم أنها تحتضر أمام البطلة فاذا بنا نفاجأ فى نهاية الأمر وبعد البكاء والعويل والترقب أن تلك الشخصية الحاضرة الغائبة طوال القصة ماهى إلا قطتها الأليفة !! سرد متقن وحرفية بالغة تنساب بمهارة عازف متمرس على العزف المنفرد لمقطوعة تحمل بنية لغوية جذابة متمثلة فى بنية اللاشعور لتعكسها كما يرى جاك لا كان .

إن القارىء لتلك المجموعة المكونة من سبعة عشر قصة قصيرة والصادرة الأدبية ليدهش من تلك التلقائية التى كتبت بها قصصها وذلك لامتزاج تلك التلقائية بنصوص جيدة وجديدة التكنيك تماماً عما هو مألوف ؛ فالأفكار هنا أصيلة المنبع فلا هى مكرورة ولا ممسوخة بل نرى الكاتبة تبدأ بالفكرة من حيث منطقة اللاوعى لتنتهى بها فى منطقة الوعى التام وذلك من خلال السير عبر منظومة جسدية ونفسية معقدة .
إن القاصة ندى إمام عبد الواحد تكتب بقلم متاثراً بشكل كبير بمدرسة التحليل لنفسى عند فرويد فهو يرى أن الإنسان فى صراع دائم داخلى وذلك بسبب تلك الرغبات المكبوتة أو التى أحبطها الواقع أما بالعوائق الخارجية أو بالمثبطات الأخلاقية ؛ فنراها تحلل قصصها نفسياً ثم تربط هذا التحليل بالحرمان الجسدى مروراً بفكرة اللاوعى الفردى والجمعى عند يونج وصولاً إلى نظرية الجشتلط والاتجاه الإنسانى والنظرية الترابطية والسلوكية لذا تعرض القاصة فى مجموعتها القصصية أشكال عديدة من الأحباطات النفسية والجسدية كلها بحاجة إلى الإشباع ولكن تنقصها الوسائل للوصول إلى هذه الإشباعات فنرى من ابطال تلك القصص من قد يلجأ للتسامى بهذه الرغبات وتحقيقها فى خياله ومنهم من تعذبه رغباته عذاباً قد يودى به إلى التخلص من حياته ولكن بأساليب وحيل نفسية تنتهى إلى أساليب نفسحركية .

إن المرونة التى حملتها تلك المجموعة وكذلك القدرة على الدوران حول العقد الداخلية سواء كانت جسدية أو عقلية أو مزاجية وعلاقتها الوطيدة بالعقد الخارجية المتمثلة فى البيئة الاجتماعية والأخلاقية والمشيدة تجعل المتلقى فى حالة من الاستمتاع والترقب بل والتحرر من قيود النمطية حيث يجد نفسه فى حالة انطلاق خاصة تبثها قدرة الكاتبة على انتاج أكبر قدر ممكن من الأفكار الابداعية لتحيلها إلى ذهن المتلقى فى سلاسة و سهولة حيث عمق شديد الفلسفة ؛ فالمجموعة تحمل طلاقة فى الكلمات وطلاقة فى الأشكال مع مراودة دائمة لخيال القارىء لتاخذه بعيداً ووحيداً مع ذاته للوقوف أمام المشكلات المطروحة إما من خلال الاختراق أو الاستشفاف لكل حواجز الجسد ومناطقه المجهولة ليرى مايكمن خلفها بل ويسترق السمع لبكاء تلك الاجساد .

إن المجموعة من الوجهة السيكلوجية تحاول أن توفق بين الوعى واللاوعى وذلك لإحداث توازن يعصم صاحبه من الانزلاق فى تلك الهوة ؛ فهو توازن داخلى خارجى تصر كاتبة المجموعة على أن يكون من خارج الجسد إلى داخله .
لذا فالمجموعة تعد من ذلك الابداع السيكلوجى الكشفى حيث تغوص المجموعة فى أغوار ذلك المخفى والكامن من اللاوعى بل واختراقه لمعرفة أوجه القصور ونقاط الضعف والنقص ثم لا تلبث أن تقترح حلولها الابداعية التى تراها مناسبة من وجهة نظرها الابداعية ايضاً لأكمال المنقوص والتغلب على القصور وتقوية نقاط الضعف أو إزالتها إن أمكن لها ذلك .
إننا امام مجموعة قصصية مغايرة تماماً لما هو مألوف حيث تمتاز تلك المجموعة (عندما يبكى الجسد) بأنها أولاً مما يطلق علية أدب نسائى أو نسوى بحت ، فأغلب قصص المجموعة ماعدا قصتان تبحث جميعها فى كوامن المرأة وعوالمها وتخترقها بجرأة غير معهودة فى الكتابات النسائية من خلال تكنيك فنى يهرب بمهارة من الأفكار الشائعة والتعبيرات التى صارت مألوفة ومحفوظة عن ظهر قلب .

كما أن المجموعة قائمة على أسلوب التداعى لذا استخدمت الكاتبة فن التصوير ليؤدى إلى التأثير المطلوب وهو تلك المتعة فى القراءة وهذه اللذة التى تولد مع تفجر كل مشكلة من مشكلات الجسد ثم تلك الشهوة لمعرفة الحلول لتلك المشكلات .
وامتازت معظم قصص المجموعة بأسلوب الفلاش باك فى السرد وهو أسلوب سينيمائى قلما يأتى فى كتابة القصة القصيرة لذا فالمجموعة ذات أبداع فارق حيث يتم تناول الحبكة الدرامية للقصة فى المقدمة لتأتى بعدها القصة وتداعياتها ثم الشخوص بملامحها وسماتها ونقاط ضعفها ومعاناتها حيث يجد القارىء نفسه أمام المشكلة ثم الأسباب والدوافع التى أدت لحدوث تلك المشكلة ثم ينتهى به المطاف بعد جولته داخل أجساد ألابطال ونفوسهم إلى الحل الذى يأتى ذو نهاية مفتوحة أو مواربة أو منغلقة بشكل درامى ينتمى إلى وازع دينى أو أخلاقى فالكاتبة تحاول بعد الجرأة التى تنتابها أثناء السرد أن تعود ثانية إلى حيث التوافق النفسى من وجهة نظرها وهو أن تقنع القارىء بالتزامها حتى آخر نقطة فى الكتابة بالعرف والدين والتقاليد ربما ظناً منها أن تتهم بعكس ذلك !! والخوف هنا أن يحد هذا الظن من جرأة قلمها وأفكارها.. فلا حياء فى الابداع طالما المبدع يمسك بزمام الأمور فلا ينجرف حيث التدنى والاسفاف ولا حيث المبالغة والرعونة فى التفكير ؛ لأن الابداع نوع من التحرر الفكرى من كافة القيود المكبلة للعقل والروح ولكنه تحرر هادف يبتغى الحل والسعادة واكتمال الذات .


شيمـــــــــــــــــاء حمادة
باحثة ماجستير بجامعة بنها
ناقدة
القاهرة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
...رؤية, الحسد, يبكي, عندما, نقدية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع