عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-2010, 07:43 PM   رقم المشاركة : [10]
domyat
عضو
 
افتراضي

بالمعلومات والشهادات والصور ..

أسرار صناعة الموبيليات القاتلة فى أول تحقيق استقصائى من دمياط

الخميس، 5 أغسطس 2010 - 16:03




تحقيق استقصائى تكتبه سهام الباشا

◄◄ مصر تستورد من إيطاليا الدهانات السامة.. وإيطاليا ترفض استيراد الموبيليا المسببة للتلوث البيئى
◄◄ 102 ألف دمياطى مهددون بأمراض سرطان الرئة وموت خلايا المخ وفقدان الحواس بسبب الموبيليا
◄◄ الدهانات دمرت رئة أحلام الضوى.. وجعلت جمعة زعتر يتقيأ دماً.. والمحافظة ترد: «استنوا الخطة الإستراتيجية»
◄◄ أهالى الشعراء يستغيثون ويتهمون الدولة بالصمت وشركات الدهانات بالتجارة بأرواحهم

كان وجهها المتصبب عرقاً وعيناها الممتلئتان بالحسرة على عمرها الذى قضته بين الأطباء وداخل غرف الإنعاش فى مستشفى الصدر بدمياط، كفيلين باحترام رغبتها فى عدم تصويرها والاكتفاء بتسجيل صوتها الخافت الملىء بالتنهدات.. «سمهات الضوانى» الشهيرة بأحلام، هى أم فى الخامسة والأربعين من عمرها، لا تجد سوى «بخاخة التنفس وجهاز الاستنشاق» لينتشلاها من مرض أطبق على صدرها منذ خمسة عشر عاماً، بعدما قدر لها أن تعيش فى منطقة الشعراء بدمياط التى تعد أكبر مناطق صناعة الأثاث فى المحافظة، وهى الصناعة التى أكد دليل توصيف البيئة للمحافظة أنها تحتل المركز الأول فى الصناعات الملوثة للبيئة حيث تُستخدم بها مادتا «البولى يورثان» و«البولى إستر» وهما نوعان من الدهانات المستخدمة فى مرحلة التشطيب (طلاء الأثاث بالرش).

و«البولى يورثان» الذى دمر رئة أحلام، بالإضافة إلى «البولى إستر» مسجلان فى تقارير وزارة البيئة على أنهما من أكثر المراحل تلوثا للبيئة فى صناعة الأثاث، حيث يعتمد كلاهما على مذيبات عضوية متطايرة تصدر انبعاثات خطيرة على الجهاز العصبى للإنسان، تؤدى لإصابته بالصداع، وأمراض القصبة الهوائية، وتؤثر على العين والسمع وسلامة النطق، وآلام الصدر، بل إن الشركات المنتجة لهذه المواد تضع على عبواتها تحذيرات من خطورة استخدامها بدون الالتزام بالاشتراطات الصحية ورشها فى الشوارع المكتظة بالسكان.

فى ورشة ابنها الموجودة أسفل شقتها بمنطقة الشعراء التقت «اليوم السابع» بسمهات أو أحلام كما يناديها الناس، والتى ظلت تنظر إلى الباب باستمرار لتتأكد من أنه محكم الغلق خشية أن تشم «البولى يورثان» فتقع فريسة له مرة أخرى. بدأت الأم كلامها ممسكة ببعض التقارير الطبية تعود إلى عام 1997: «أنا بعانى من ضيق فى التنفس وربو بسبب البوريتان - الاسم الدارج بين أهالى الشعراء .. أكتر وقت تمنيت فيه الموت، لما عملت عملية فى رجلى وقتها لما كنت بشم البوريتان وما أقدرش آخد نفسى منه.. كنت بحس إن مكان الجراحة بيتقطع»، وتذكرت أحلام يوم أن عاد فيه ابنها من مدرسته جائعا ليجدها طريحة الفراش، ليصاب هو الآخر بحالة نفسية تجعله يتقيأ كثيراً.

«مِن وأنا صغير بشوف أمى بتموت قدامى وأنا مش عارف أعمل لها حاجة، أوقات كثيرة بنقفل عليها الشقة ونجيب فوطة مبلولة بالميه ونحطها فى كل فتحة عند الشبابيك وتحت الباب عشان ما يدخلش ولو جزء بسيط من رائحة الرش إلى البيت» هذا ما قاله معتز الابن الأكبر لأحلام، بعدما يئس من مطالبة جيرانه أصحاب الورش بعدم رش تلك المواد السامة التى صنفها الدكتور نبيل عبدالمنعم، أستاذ الهندسة الكيمائية جامعة القاهرة، بأنها مواد كيميائية خطرة صحيا.

«إحنا اللى نقلنا المصنع واللى نقلنا الكوبرى» جملة كتبها أهالى دمياط على جانبى كوبرى «الأعصر»، وهو ما أثار علامة استفهام كبرى حول طبيعة هذا الشعب القادر على أن يقف فى وجه كل ما يراه خاطئا وملوثا لبيئته، فلماذا يصمت هؤلاء على تلك الكارثة البيئية التى يعيشون فيها؟.

محاولة الإجابة عن هذا السؤال استغرقت 4 أيام قضتها «اليوم السابع» فى منطقة الشعراء ضمن تحقيق استقصائى استمر شهراً ونصف الشهر للتعرف على أدق تفاصيل صناعة الأثاث، زارت خلالها الأهالى والصنايعية ومستشفى الصدر ومحافظة دمياط، ليتبين أن أحلام ليست الوحيدة فى منطقة الشعراء ممن يعانون من ويلات دهانات الأثاث، ففى مستشفى الصدر بدمياط كان الحاج جمعة زعتر، من أبناء الشعراء يعانى من مرض «الدرن» الذى لازمه لسنوات عديدة.

الحاج جمعة كلما يستنشق رائحة دهانات الأثاث خاصة مادة «البولى إستر» يصاب بحالة تجعله يتقيأ دماً.

الدكتور عبدالسلام، وكيل المستشفى، أكد أن من أسباب تدهور حالة الحاج جمعة أنه يعيش وسط ورش الأثاث، التى يصفها عبدالسلام بأنها أشد خطورة من كارثة مصنع أجريوم.

لا يخلو شارع فى المدينة من ورشة للموبيليا، والتى تمر فيها صناعة الأثاث بمراحل عديدة تبدأ بنجارة الخشب حتى مرحلة التشطيب بالدهانات التى يقوم بها صنايعى يطلق عليه «الإستورجى أو البلياستر»، الورش تعمل طوال الأسبوع فيما عدا يوم الجمعة، وعادة تبدأ مرحلة الطلاء فى الشوارع بعد صلاة العصر حتى الساعات الأولى من نهاية الليل، باستخدام فرش بدائية ثم صنفرتها لتنعيم الخشب، ثم يعود لرشها مرة أخرى، بينما تراكمت عبوات الدهانات الفارغة فى الشوارع على شكل مخلفات صلبة دون تخلص آمن منها.
رائحة الدهانات هى الرابط الذى يجمع شوارع الشعراء بعضها البعض، فضلا عن الأتربة والشوائب المتطايرة بقوة، والتى تلتصق بالعين وتدخل الأنف والفم بدون استئذان.
صنايعية فى مختلف الأعمار، منهم أطفال صغار لا تتعدى أعمارهم العاشرة، يعملون بدون أى التزام بالاشتراطات الصحية التى تضعها وزارة البيئة، مثل ضرورة ارتداء الأجهزة الواقية من قناعات وقفازات وجوارب لحمايتهم.

محمود، إستورجى، قال: «الكمامة ما لهاش أى لازمة وغير مفيدة لعملهم لأنه يحتاج إلى السرعة» وهو ما يبرر شحوب وجهه، وتعثره فى الكلام علاوة على عدم الانتباه والاستجابة السريعة لما يحيط به، وهو ما فسرته الدكتورة مى الجمال، مستشار محافظ دمياط للاستشارات البيئية ورئيس قسم بكلية العلوم جامعة المنصورة، بأن استنشاق الدهانات أمر خطير يؤدى إلى إصابة الصنايعية بحالة فقدان للحواس كالشم وموت خلايا المخ، قائلة: «ممكن تتكلم مع الصنايعى ولا تجده يتجاوب معك إلا بعد فترة لأنه استنشق الكثير من هذه المواد».

«الإستورجى بيموت، وصحتنا مش فارقة مع حد وما فيش اهتمام بالطريقة اللى بنشتغل بها، وعمرنا ما شوفنا الدولة أو الشركات اللى بتصنع الدهانات بتحاول توفر لنا مواد كويسة وتدربنا على الشغل بيها»، كان هذا رد إسلام فوزى، صنايعيى بلياستر، على سبب إصابة يده اليمنى بالتهابات وتآكل طبقتها الجلدية، والتى يتعامل بها مباشرة مع الدهانات بدون قفازات، حيث يكتفى الصنايعية بالعمل بفرشاة الدهانات أو مسدس الرش، إصابة إسلام بهذه الأمراض الجلدية دفعت سامح يوسف زميله فى نفس الورشة إلى أن يعمل فى حفر الخشب بدلاً من العمل كـ«إستورجى» والسبب كما يقول: «أنا خفت على نفسى وعلى صحتى، المواد دى خطيرة جداً اللى يا ما ناس ماتت بسببها».

صنايعية البولى إستر والبولى يورثان من أكثر الفئات المعرضة للأمراض التى تتنوع بين الأمراض الصدرية وأمراض العيون المعدية والالتهابات والتقيحات المزمنة بالجلد، علاوة على الأثر السلبى على الكبد والكلى نتيجة لمواد الدهان والمذيبات العضوية، وهو ما أثبتته دراسة أجرتها كلية العلوم جامعة المنصورة حول الآثار البيئية المترتبة على تعرض العمال للدهانات فى ورش الأثاث، فضلاً عن تشوه الأجنة فى رحم أمهاتهم كما تؤكد الدكتورة نادية الطيب، أستاذ تلوث الهواء بالمركز القومى للبحوث، وبحسب آخر إحصائية صادرة عن مستشفى الصدر بدمياط فى ديسمبر 2009 الماضى فان إجمالى عدد مرتادى العيادات الخارجية وصل إلى 128 ألفا و409 مرضى بأمراض الصدر، منهم 102 ألف 726 مريضا بسبب الدهانات الخطرة حسبما يؤكد وكيل المستشفى الدكتور عبد السلام المغربل، منهم 15% مصابون بالربو الشعبى، أى 19 ألفا و261 نسمة، و6420 مريضا بالسدة الرئوية و77045 ألف مريض بالنزلات الشعبية، أى بنسبة 60%، .

وكان الربو الشعبى المزمن، وما يسمى بالرئة الزجاجية وسرطان الرئة والسدة الرئوية، هى أهم الأمراض التى يعانيها المخالطون لورش الأثاث لاستخدامها مواد غازية سامة كالبولى يورثان والبولى إستر، والتى أصبحت جزءا من تركيب الهواء الذى يستنشقه أهالى دمياط وعلى رأسهم الشعراء، كما يقول الدكتور عبدالسلام المغربل الذى يرى ضرورة البحث عن حل ينقذ الأهالى من رش الأثاث بالبولى إستر والبولى يورثان.

الكبائن الإيطالى هى إحدى الوسائل التكنولوجية الحديثة التى اخترعتها الدول المتقدمة للتخلص من الآثار الضارة لمرحلة التشطيب، وبالفعل لجأ عدد من أصحاب الورش لعمل هذه الكبائن فى دمياط منها كابينة الحاج عثمان، وهى عبارة عن حجرة محكمة الغلق أرضيتها من حديد مفرغ وبها شفاط كبير يسحب الغازات المتصاعدة من الدهانات ويخزنها فى صندوق كبير ثم يتم تنظيفه بعد أن تترسب فيه هذه المواد، داخل الكابينة كان يقف إستورجى يدعى محمود، رغم عدم ارتدائه لقناع على فمه وأنفه إلا أنه أكد أن عمله داخل الكابينة يحميه من مخاطر الدهانات ولا يجعله مصابا لأن الكابينة تسحب بسرعة الغازات المنبعثة بعيداً عنه وعن مكان عمله. ومع كل المزايا التى توفرها تلك الكبائن إلا أن السبب وراء عدم لجوء كل أصحاب الورش إلى عمل كبائن مماثلة هو أن دور هذه الكبائن يأتى فى المراحل الأخيرة من تشطيب الموبيليا فقط، أى بعد إتمام عملية الصنفرة والتصفية للبولى إستر فضلا عن ارتفاع سعرها الذى يبدأ من 150 ألف جنيه- مثلما يقول عادل سعد، إستورجى- وهو ما دفع بعض أصحاب الورش إلى اللجوء إلى وسيلة أخرى تناسبهم ماديا وفى الوقت نفسه تخفف من حدة ملوثات رش الموبيليا فى الشارع وهى «الكابينة البلدى»، المستوحاة فكرتها من الكابينة الإيطالى، وهى عبارة عن حجرة متوسطة الحجم فى منتصفها منضدة مستطيلة توضع عليها قطعة الخشب لرشها أولا بالبولى إستر ثم تؤخذ بالخارج لعمل صنفرة لها وبعدها تدخل مرة أخرى لرشها بالمادة النهائية وهى البولى يورثان، ويوجد بالكابينة «شفاطين» هواء، كبيرا الحجم لسحب الغازات والأتربة ومتصلة بمدخنة صفيح تعلو المنزل الذى تتواجد فيه الورشة وتخرج من فوهتها الغازات، وداخل الكابينة البلدى الخاصة بالحاج عبده بوغيط الذى يمتلك ورشة لتصنيع الأثاث، كانت الجدران مليئة بالدهانات الصلبة سوداء اللون رغم أن عمر الكابينة لم يزد على العام، وعلى حواف «مراوح الشفاط» توجد مادة ترابية لونها رمادى وهى إحدى مخرجات الرش التى تتطاير ثم تخرج من فوهة المدخنة إلى الأهالى الذين يسكنون الأدوار العليا فوق الورشة، وكما يقول عادل سعد: «هى صحيح بتحمينا إحنا الصنايعية، لكنها بتأذى الناس اللى ساكنين فى الأدوار اللى فوق»، وهو ما أكدته زوجة الإستورجى حازم العسيلى التى تسكن فى الدور الثالث وتلتصق بمنزلها مدخنة لكابينة بلدى حيث قالت «إن مستخرجات الرش تدخل إلى شقتها عبر الشبابيك وتملؤها بالروائح الكريهة وهو ما تسبب لها فى الإصابة بحساسية على الصدر».



كثيراً ما يردد عبده بوغيط صاحب الكابينة البلدى قائلاً «إحنا بنعمل الكابينة دى على إيدنا عشان نوفر فلوس، لأن لو ودينا الموبيليا للكبائن الإيطالى مش هنلاقى ناكل خصوصاً إن شغلنا رخيص مش غالى، إحنا بنحاول نعمل أى حلول عشان نحمى نفسنا ونحمى الناس وفى نفس الوقت نحافظ على أكل عيشنا» وتذكر بوغيط أخاه الذى تشاجر مع أحد جيرانه بسبب الرش وانتهى الأمر بمقتله، وعمه الذى أصيب بحساسية مزمنة على الصدر أودت بحياته.
بالعودة إلى الوراء إلى ما يقرب من خمس عشرة سنة يقول حازم العسيلى، إستورجى، كان صناع الأثاث يستخدمون مواد أخرى أقل خطورة من البولى استر والبولى يورثان كـ«الجمالاكا والسبرتو واللاكيه». ولعل السبب وراء استخدام الصنايعية للمواد الحالية هو أنها سريعة وسهلة التصنيع ومكسبها أكبر مقارنة بالسبرتو والجمالاكا اللذين يحتاجان لوقت أكبر فى الدهان، فضلا عن عدم حاجتها إلى خبرة كبيرة، قائلاً: «كانت الجمالاكا واللاكيه أنضف وأحسن وكانت صحتى وقتها بمب»، وبسؤاله لماذا لا يعود الصنايعية لاستخدام تلك المواد قال: «مش إحنا اللى غيرناها الشركات هى اللى غيرت». هذه الإجابة هى لب الموضوع، فالشركات التى تصنع مواد الدهانات الخطرة سواء داخل مصر أو خارجها يقع عليها جزء من المسؤولية حول الإضرار بصحة المواطنين، فبالرغم من تحذيراتها من خطورة الدهانات على عبوات منتجاتها والمتمثلة فى تجنب ملامستها للعين والجلد وعدم استنشاق بخار الرش والغازات المنبعثة منه وارتداء الكمامة فى حالة عدم التهوية الجيدة، فإن تلك التحذيرات لا تكفى لحماية المواطنين وصحتهم، فمسؤولية شركات الدهان تكمن فى عدم إنتاجها لمواد بديلة صديقة للبيئة، كتلك المواد التى تصنعها الدول المتقدمة لصناعة الأثاث كإيطاليا التى لا يدخل فيها مذيبات عضوية متطايرة، حيث تتم إذابة مادة كالبولى إستر على سبيل المثال بالماء، واللافت أن بعض الدول التى نستورد منها الدهانات الخطرة، لا تستخدمها فى صناعتها الخاصة بالأثاث، وهو ما دفع على حبيب، رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية للأثاث فى دمياط ونائب مدير جمعية صناع الأثاث المصرية، للتساؤل حول الكيفية التى تدخل بها هذه الدهانات إلى مصر من بلدان تحرم استخدامها، وكيف تسمح الدولة باستيراد تلك المواد؟، والأدهى أن هذه الدول تضع شروطاً ومحاذير على كل قطع الأثاث التى تستوردها من مصر حسبما يؤكد حبيب، قائلاً: «دولة مثل إيطاليا عندما نصدر لها الأثاث تفحصه قطعة قطعة بأجهزة لقياس الخشب وجودته والتعرف على كميات الدهانات المستخدمة وهل هى أعلى من الحد المسموح به أم لا؟».



كما تضع تلك الدول اشتراطات على الأثاث الذى تستورده من مصر كما تقول الدكتورة نادية الطيب، منها ضرورة حصول الورش على شهادة التصدير الأيزو «14001»، قائلة: «الدول المتقدمة لا تهتم بالأثاث الفاخر بقدر اهتمامها بحجم التلوث الناتج عنه، فضلاً عن أن دولة كإيطاليا تستورد منا خشب الأثاث وتقوم هى بعملية التشطيب بالدهانات المائية صديقة البيئة، ونظراً لاستخدام ورش الأثاث الصغيرة بدمياط الدهانات الخطرة لذا لا يتم تصدير منتجاتها للخارج واقتصرت صناعتها على النطاق المحلى».

أما بالنسبة لشركات الدهان المصرية فتكفى زيارة أحد محلات الدهانات لتتعرف على أسماء كبرى الشركات وأعدادها وأنواعها.

استخدام الدهانات المائية فى مصر يواجه مشكلتين- حسبما يقول على حبيب، رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية للأثاث فى دمياط، الأولى هى عدم إنتاجه بشكل كبير، والثانية عدم وجود خبرة لدى الصنايعية فى استخدامه وعدم توعيتهم بأهميته ومزاياه وكيفية الاستفادة منه على أكمل وجه.

أما المسؤول الثالث لهذه الحلقة من التلوث بجانب الصنايعية وشركات الدهان فهى الدولة ممثلة فى محافظة دمياط وجهاز شؤون البيئة فيها ودوره فى الرقابة على عمل ورش الأثاث والدهانات المستخدمة بها، مثلما يقول العربى الولى، عضو المجلس المحلى بدمياط، إن إدارة شؤون البيئة فى دمياط غير فعالة ولا تقوم بمراقبة عمل الورش، وأكد أنه اشتكى أكثر من مرة لإدارة البيئة إلا أنهم لم يحركوا ساكناً، على حد تعبيره.



كلام العربى الولى تطلب التأكد من صحته، وهو ما اضطرنى إلى الحصول على رقم تليفون شؤون البيئة وكان ذلك يوم السبت 19 يونيو الماضى، وبالفعل اتصلت لتقديم شكوى عن زيادة الرش باعتبارى مواطنة تعيش فى الشعراء، فرد على موظف اسمه محمد من الحسابات وقال: «النهارده إجازة ممكن تتصلى بكرة»، إجابة الموظف أثارت تساؤلاً حول دور شؤون البيئة فى مراقبة استخدام الورش للدهانات المضرة بصحة المواطنين، ولماذا لا تخصص البيئة موظفين لحالات الطوارئ لسماع شكاوى الناس فى أيام الإجازة الرسمية لإنقاذهم بالنزول إلى الورش التى يزيد رشها عن الحد المسموح به وإقناع أصحابها بضرورة تقليل الكميات المستخدمة من الدهانات؟»، الاتهامات التى وجهها عضو المجلس المحلى، والأسئلة التى أثيرت بعد هذا الاتصال، استلزمت رداً واضحاً من مظهر نعمان مدير عام شؤون البيئة فى المحافظة، الذى دافع عن دور المحافظة وشؤون البيئة فى مراقبة ورش الأثاث باستمرار وفى قياس نسبة التلوث الصادرة من كل منها، قائلاً: «تقوم الإدارة بتحرير محاضر المخالفات للورشة التى تتعدى الحد المسموح بها، كما أنها تعطيهم مهلة لتصحيح أوضاعهم»، وزاد على ذلك بقوله: «المحافظة تبذل دورا فى مساعدة أهالى الشعراء لتحويل الرش إلى نظام الكبائن حيث وصل عددها إلى 130 كابينة رش حتى الآن، وسط 40 ألف ورشة»، وبسؤال نعمان عن آخر قياسات لنسب التلوث فى المحافظة عموما والشعراء على وجه الخصوص، جاءت إجابته لتكشف عن مفاجأة جديدة وهى - حسب قوله- «إنه لا توجد قياسات للتلوث شاملة للمحافظة أو الشعراء نظراً لعدم وجود مرصد بيئى فى دمياط لقياس نسب تلوث الهواء بشكل عام ولكن ما يتم هو قياس التلوث فى كل ورشة على حدة»، وأنهى مدير عام الشؤون البيئة كلامه قائلاً: «المحافظة على وشك الانتهاء من المرصد».

اللافت هو أن الدكتورة مى الجمال،مستشارة المحافظة للاستشارات البيئية – قالت: »إن دور المحافظة يتمثل فى تفعيل حملات التفتيش على ورش الأثاث واستغلال الضبط القضائى، إلا أن المشكلة هى أن موظفى الضبط القضائى والتفتيش من دمياط وأغلبهم عندهم ورش أثاث الأمر الذى يؤثر على دورهم فى مراقبة عمل الورش ومدى التزامها بالاشتراطات البيئية».

تلك المسؤولية «هل تعنى أن تتوقف صناعة الأثاث إنقاذا للبيئة أم نستمر فى الصناعة بصرف النظر عن تدمير البيئة؟»، معادلة صعبة أجابت عليها الدكتورة نادية الطيب بطريقة بسيطة وسهلة قائلة: «التنمية والبيئة صديقان» لذا لابد من البحث عن وسائل تحقق الاثنين معا بدون الإضرار بأى منهما، ومن بين هذه الوسائل أن الصنايعى عليه دور يتمثل فى تقليل الملوثات من خلال تقليل الكميات المستخدمة من الدهانات واستخدام الأجهزة الواقية أثناء عمله ومراعاة الاشتراطات البيئية لصناعته، وبناء مزيد من كبائن الرش على الطريقة الإيطالية، أما الشركات فعليها إحلال مواد غير خطرة محل الخطرة إذا كانت تعطى نفس النتائج أو تقليل المواد العضوية الخطرة الداخلة فى تركيبها، مع تفعيل إدارة الشؤون البيئية لدوره فى الرقابة على الورش وتوعية أصحابها وتدريبهم، كما يتطلب الأمر أن تبذل المحافظة جهداً أكبر لإنقاذ أبنائها يتمثل كما يقول الحاج على السعيد أحد أهالى الشعراء، فى نقل ورش الأثاث بعيداً عن الكتلة السكنية، وهو ما تؤيده الدكتورة مى الجمال مؤكدة على أهمية إنشاء «مدينة حرفية» تكون مخصصة فقط لورش الأثاث الصغيرة، فتلك المدينة التى أكد مظهر نعمان أنها ضمن الخطة الاستراتيجية للمحافظة تحتاج إلى سرعة أكبر فى التحرك والتنفيذ قبل فوات الأوان.


domyat غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس