الموضوع: علم المنطق
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-25-2009, 09:11 PM
بسمة ناصر بسمة ناصر غير متواجد حالياً
عضو
 

افتراضي علم المنطق

علم المنطق



هذا علم أثار بين العلماء قديماً نزاعاً واسع الرقعة، وأضرم خلافاً متأجج الأوار..حتى تضاربت وتباعدت أقوالهم فيه كل التضارب والتباعد.



رأيان متضادان في علم المنطق:

قال عنه جماعة من العلماء إنه علم كفري، وضع أسسه الفيلسوف اليوناني أرسطاطاليس، ونقله إلى العربية من ساءت عقيدته، وبيّت للإسلام نية السوء والنقص.

وانظر من هؤلاء إلى السيوطي رحمه الله حيث يقول عنه في (الحاوي): المنطق هو فن خبيث مذموم، يحرم الاشتغال به، مبني بعض مافيه على القول بالهيولى، الذي هو كفر يجر إلى الفلسفة والزندقة، وليس له ثمرة دينية أصلا بل ولا دنيوية، ثم ساق أسماء جمهرة من العلماء قالوا نفس القول، ودعوا الخلق كافة إلى هجر هذا العلم ونبذه.

هذا رأي... ولآخرين من العلماء رأي آخر.

إذ يسمى بعض العلماء علم المنطق علم الميزان، لأنه به توزن الحجج والبراهين، ويسمونه أيضاً خادم العلوم، لأنه الوسيلة إليها، أو رئيس العلوم لحكمه عليها...

ولذا فلا غرو عند هؤلاء إن كان كما قال الشيخ الرئيس ابن سينا: المنطق نعم العون على إدراك العلوم كلها، وقد رفض هذا العلم وجحد منفعته من لم يفهمه ولا اطلع عليه، عداوةً لما جهل... وقال الغزالي: من لم يعرف المنطق فلا ثقة له في العلوم أصلا.



وإنصاف واعتدال:

والحق يقال، فإن المنطق علم يوناني المنشأ والمنبت، وهو بهذا يميل إلى قواعد عدة تكاد تؤله العالَم، وتقول بقدمه، وبأنه لاأول له، وهذا مما لاشك فيه يغاير كل المغايرة العقيدة الإسلامية ويناقضها، حيث دعت الناس إلى الإيمان بأن الله سبحانه وحده هو الأول فلا شيء قبله، وما سواه فهو مخلوق بأمره حادث بصنعه، ومن هنا فقد شهدت فترة انتقال الفكر المنطقي اليوناني إلى اللغة العربية بادئ ذي بدء اضطراباً وزلزلة في أوساط الأمة الإسلامية، وكان ذلك أيام المأمون العباسي، حتى نبتت نابتة الزنادقة والملحدين، الذين أنكروا العقيدة الإسلامية إما جهراً إن استطاعوا، أو سراً إن ذلوا وخافوا.. ومن هنا وفي هذه الأجواء تفهم كلمة ابن تيمية رحمه الله حينما قال في صدد حديثه عن المنطق : ما أظن الله تعالى يغفل عن المأمون العباسي، ولابد أن يعاقبه بما أدخل على هذه الأمة...



الاعتزال وليد المنطق:

ولقد رأينا نتيجة دخول علم المنطق والفلسفة على الأمة في نشوء الاعتزال، الذي اتخذ العقل ركيزة أساسية له في فهمه للدين.

وهذا ولاشك جيد ابتداء، إلا أن المعتزلة غالوا في ذلك حتى جنوا على كثير من النصوص الشرعية، وجنحوا بفهمها اتباعاً للتفسيرات العقلية والتبريرات الفلسفية، مما جعلهم منبوذين في الأمة، حتى قيض الله سبحانه وتعالى لهذا الدين أبا الحسن الأشعري ومن بعده الباقلاني ثم الجويني عندما أوقفوا بالمنطق والحجة مد الاعتزال وفكره، ثم أعقب ذلك الغزالي رحمه الله الذي كان آية من آيات الله في الفلسفة والمنطق والفكر فارتقى قمة الفلسفة واستلم زمامها حتى أقر له أربابها بذلك في كتابه ( مقاصد الفلاسفة) ثم عاد فالتفت إليها فنقضها نقضاً شديداً، ووجه لها ضربات قاضية لم تقم لها بعدها قائمة في كتابه (تهافت الفلاسفة) وبذلك كان كمن أطفأ نار المنطق اليوناني الكافر بماء منطق الإسلام المؤمن.



تعريف علم المنطق:

ولنا بعد هذه المقدمة المستفيضة أن نتساءل ما هو المنطق، وما هو تعريف العلماء له ولموضوعاته؟

يقول صديق بن حسن القنّوجي في (أبجد العلوم): هو علم يتعرف منه كيفية اكتساب المجهولات التصويرية والتصديقية من معلوماتها.

والغرض منه التمييز بين الصدق والكذب في الأقوال، والخير والشر في الأفعال، والحق والباطل في الاعتقادات.

وقال حاجي خليفة: إن أصول المنطق تسعة أبواب على المشهور: الأول: باب الكليات الخمس، الثاني: باب التعريفات، الثالث: باب التصديقات، الرابع: باب القياس، الخامس: البرهان، السادس: الخطابة، السابع: الجدل، الثامن: المغالطة، التاسع: الشعر، هذا خلاصة مافي ( العَلَمى) حاشية شرح (هداية الحكمة الميبذية) وحكمة شرح العين وغيرها.

والحق أن فلاسفة الإسلام على الرغم من تأثر بعضهم بالمنهج اليوناني للمنطق، إلا أن غالبيتهم قد روضت المنطق الذي أسسه أهل الوثنية والإلحاد، ليكون مطية لعلم التوحيد الذي امتزج بالمنطق، فأصبح يسمى بعلم الكلام.

وقد عرف ابن سينا الفلسفة تعريفاً مفصلاً حيث قال: الحكمة (ويقصد بها علم المنطق) صناعة نظرية، يستفيد الإنسان منها تحصيل ماعليه الوجود كله في نفسه، وما الواجب عليه فعله، مما ينبغي أن يكتسبه فعلُه، لتشرُف بذلك نفسه وتستكمل وتصير عالماً معقولاً مضاهياً للعالم الموجود، وتستعد للسعادة القصوى بالآخرة، وذلك حسب طاقة الإنسان.



إثبات وجود الله من خلال المنطق:

وقد انطلق ابن سينا من نقطة البداية لإثبات وجود الله: من مفهوم أن الوجود للأشياء إما واجب بذاته، أي مالا يمكن تصور عدمه، ولو تصورنا عدمه لوقعنا في التناقض والمحال، وإما جائز الوجود أو ممكن الوجود، فأما واجب الوجود فهو الله سبحانه، وأما ممكن الوجود فهو مخلوقاته التي لا يترتب على عدمها عدم ومحال.

وجاء ابن رشد الفيلسوف ففضل لإثبات وجود الله الطريق التي تؤخذ من القرآن، فاستخرج دليلين هما: دليل الاختراع أي خلق الأشياء وإحداثها، ودليل العناية وهو ملاءمة ما على الأرض كلها لحياة الإنسان واستمرار الحياة.



المنطق والعلوم الإسلامية:

ولا يفوتنا أن ننوه وننبه إلى أن علماء الإسلام قد استخدموا المنطق كعلم يحاكم القواعد الأساسية إلى العقل، ويضبطها به، ويرجع ترتيبها وصدقها إليه، استخدموه في علوم شتى من علوم الإسلام : في علوم القرآن والحديث والفقه ـ وعلى وجه أخص في أصول الفقه ـ والنحو والتصوف والعقائد، حتى أصبحت تلك العلوم وغيرُها معتمدة عليه مسلمة قيادها إليه، لايكاد يطلع عليها ويتضلع منها من لم يُجِدْ ويتقن المنطق وقواعده.

قال صاحب (أبجد العلوم) عن أطراف علم المنطق: الطرف الثاني: أن المتأخرين من علماء الإسلام، لاسيما أئمة الأصول والبيان والنحو الكلام من أهل البيت وغيرهم، قد استكثروا من استعمال القواعد المنطقية في مؤلفاتهم في هذه الفنون وغيرها.

وقال أيضاً: الطرف الثالث أن كتب المنطق التي يدرسها طلبة العلوم في زماننا قد هذبها الإسلام تهذيباً صفت به عن كدورات أقوال المتقدمين، فلا ترى فيها إلا مباحث نفيسة ولطائف شريفة، تستعين بها على دقائق العلوم، وتحل بها إيجازات المائلين إلى تدقيق العبارات، فإن حرمت نفسك معرفتها فلا حظّ لك بين أرباب التحقيق.

إنْ رُمتَ إدراك العلوم بسرعة فعليك بالنحو القويم ومنـطق

هـذا لميزان العقول مرجـح والنحو إصلاح اللسان بمنطق

والحقيقة التي يتوصل إليها الناظر بإنصاف إلى علم المنطق: أنه كما قال بعض العلماء الأفاضل: إنه كالسيف يُجاهد به شخص في سبيل الله، ويقطع به آخر الطريق.

ولاشك أن كلامنا عن علم المنطق هنا لا يتناول صورته الحديثة التي لبسها بعد النهضة العصرية الغربية، التي قدمت نظريات فلسفية جديدة معظمها يدور في فلك المادية والوجودية والبوهيمية.



أشهر كتب المنطق:

ومن أشهر كتب المنطق القديمة: (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال) لابن رشد، و(كتاب النجاة) لابن سينا، و(مقالات الإسلاميين) للأشعري، و(التمهيد للباقلاني)، و(الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد) للجويني و(الاقتصاد في الاعتقاد) للغزالي، و(فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) للغزالي، و(الرد على المنطقيين) لابن تيمية.

ومن أشهر الكتب التي يدرسها طلبة العلم الشرعي رسالة إيساغوجي للأبهري، و(التهذيب للسعد)، و(الرسالة الشمسية)، و(نخبة الفكر)، و(جامع الدقائق) و(غرة النجاة) و(تيسير الفكر) و(بحر الفوائد) و(القواعد الجلية) و(ناظر العين) و(المطالع) وغير ذلك.


رد مع اقتباس