العودة   الموقع الرسمي للاعلامي الدكتور عمرو الليثي > الأقسام العامة > قضايا وآراء
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-25-2009, 09:20 PM
بسمة ناصر بسمة ناصر غير متواجد حالياً
عضو
 

Question لماذا يكرها العالم

لماذا يكرها العالم؟
قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة إلى مصر لتوجيه خطاب منها إلى العالم الإسلامي .. وذلك فى إطار حملة دعائية أمريكية .. تتخذ من لون أوباما الأفريقي ومن أفكاره ووعوده التى اطلقها أثناء حملة إنتخابات الرئاسة ، واجهة لتحسين صورة أمريكا فى العالم .. وطمأنته بأن عهد إدارة بوش قد إنتهى .. وأن عهدا جديدا من التعقل والمنطق، والتفاهم الدولى فى السياسة الخارجية الأمريكية قد بدأ .. وتجرى الآن أنهار من التعليقات الصحفية على الخطاب الذى أطلقه من قاعة المحاضرات الكبرى بجامعة القاهرة لا أعتزم المشاركة فيه بالتتقريظ أو النقد .. ولا أريد أن اقيم مقارنة بين أوباما المثقف اللبق وبين سلفه الذى لم يكن يجيد شيئا حتى إستخدامه للغة الإنجليزية .. كل ذلك لا يعنينى فى شيئ .. فقط أحب أن أنبه إلي نقطتين سريعتين: أولا: أن الذين يحللون ويبنون أحكامهم على أساس هذا الخطاب واهمون لأن السياسة الخارجية لأمريكا لا يقررها أوباما ولا ترسمها هيلارى كلينتون ووزارتها .. والذين يرسمون هذه السياسة ويقررون تنفيذها هم الذين صمموا خطاب أوباما ليجري على لسانه وليكتسب من كاريزمته الشخصية مايضيف إلى قيمته فى نظر العالم العربي والمسلم ويحوز القبول والإعجاب .. وقد حدث ونجح أوباما .. وانتهت المهمة وقُضي الأمر .. هذه نهاية المسرحية .. فصل واحد ويسدل الستار.. وهذا هو تقديرهم وتقييمهم لعالم العرب والمسلمين عندما يغضبون كالأطفال .. علاجه عندهم كلام ناعم وطبطبة على الأكتاف ..ولا شيئ بعد ذلك...! النقطة الثانية: أن القضية المحورية لشعوب العالمين العربي والمسلم .. قضية فلسطين لم تكسب شيئا من هذا الخطاب العاطفي الطويل .. لم تتحرك حتى على هذا المستوي قيد أُنملة .. فهى باقية عند النقطة التى خلّفها بوش .. وربما أسوء من ذلك ..
فلنطوِ هذه الصفحة لننظر فى موضوع هذا المقال: فأنا هنا أحاول أن أستعرض بعض الحقائق أمام القراء وأمام الرئيس أوباما نفسه .. ثم أسألهم وأسأله: هل يستطيع أوباما تغيير هذه الحقائق..!؟

يطرح الكاتبان ضياء الدين سردار وميريل وين دافيز فى كتاب لهما بعنوان " لماذا يكره العالم أمريكا " أسئلة عميقة المغزى من أبرزها: إذا كان الناس يكرهون أمريكا حقا فهل هم يكرهون الشعب الأمريكي ..؟.. هل يكرهون مفكريه وكتابه المبدعيين ..؟ هل يكرهون فنونه وحضارته ..؟ ويجيبان بالنفي القاطع .. فلماذا يكره الناس إذن أمريكا .. ؟ أو على وجه التحديد ماذا يكره العالم من أمريكا ..!؟
يقول المؤلفان وأقول معهما : توجد أسباب كثيرة واضحة لكراهية الناس لأمريكا، لا خلاف عليها خصوصاً في العالمين العربي والإسلامي... من أشهرها:
أولاً: دعم أمريكا لإسرائيل التي ينظر إليها العالم العربي باعتبارها مستعمرة أمريكية بتسليحها وتمويلها .. فلولا السلاح الأمريكي والمال الأمريكي وا لدعم الأمريكي المستمر ما كانت إسرائيل بهذه القوة ولا هذه الشراسة والإستهانة بكل القرارات والقوانين الدولية ...
ثانياً: دعم أمريكا للأنظمة القمعية في العالم العربي ..واضح وفاضح ومتواصل ...
ثالثاً: التدخلات العسكرية الأمريكية المتواصلة في العالم الثالث وعلى الأخص إحتلال أفغانستان والعراق ...
ولكن لكي نقيّم عمق الكراهية لأمريكا فى مداها وأبعادها نحتاج إلى أن نتجاوز الأسباب الواضحة لنبحث ونحلل الأسباب العميقة لهذه الكراهية وأغوارها البعيدة، حيث توجد ثلاثة حقائق رئيسية في تحديد علاقة الولايات المتحدة بالعالم الخارجي:
أولى هذه الحقائق: أن هذه العلاقة تحكمها فكرة خاطئة وخطيرة .. ملازمة للتفكير الأمريكي فى علاقته بالعالم الخارجي، يمكن صياغتها في عبارة "المعرفة الجاهلة" .. جاهلة بحقيقة الآخر بقدر ما هي جاهلة بحقيقة الذات، وأصدق تعبير عن ذلك تصريح الرئيس بوش الذي قال فيه: "إن الولايات المتحدة الأمريكية ليست أقوى وأعظم دولة في التاريخ الحديث فقط بل في تاريخ الإنسانية كلها .. وأن من حقها بل من واجبها أن تصوغ حياة البشرية وفق مبادئها الخاصة .. وأن تصْبغ عليها كل مزايا النظام الأمريكي"...! والذي لم يصرح به الرئيس بوش هو أن هذه الصياغة تقوم على أساس مبدئي هو مصالح أمريكا على حساب مصالح كل البشر.
ثاني هذه الحقائق: أن هذه العلاقة قائمة على أساس من النهب المنظم والمقنن لثروات العالم.
ثالث هذه الحقائق: أنه عندما لا تكفي الوسائل السلمية لتحقيق النهب المنظم تلجأ أمريكا لفرض العقوبات الاقتصادية أو إلى التدخل العسكري السافر تحت أي ذريعة.
حقائق أخرى تدمغ النظام الأمريكي فى علاقته بالعلالم الخارجي بالنفاق والكذب .. والمبالغة على أحسن الأحوال .. منها:
(1) مسألة حقوق الإنسان التى تشكل اكثر الأسلحة قوة فى ترسانة الدعاية الأمريكية .. أقول لكى تعظ الناس بضرورة رعاية حقوق الإنسان ألا يجب عليك أولا أن تلتزم بها..؟ وأسأل اين هى حقوق الإنسان فى معتقل جوانتانامو وبجرام وأبوغريب والمعتقلات السرية الأخرى العائمة الهائمة فى المحيط الهادى..؟ وأين موقف أمريكا من إهدار حقوق الإنسان الفلسطيني وفى غزة على وجه التحديد ..!؟ بل أين هى حقوق الإنسان فى النظام الفاشي المسلط على فئات معينة من الشعب الأمريكي .. تعيش تحت إجراءات أمنية عنصرية إستثنائية .. من تنصّت وتفتيش ومصادرة أموال جمعيات خيرية يملكها المسلمون بالذات ...!؟
وألْتفِتُ إلى السيد أوباما فأسأله: ألست انت ياسيادة الرئيس الذى وعدت من قبل بإنهاء جوانتانامو فأين ذهب وعدك الآن وقد أصبحت رئيسا لأمريكا..؟ إنك لم تستطع أن تنفّذ وعدا بسيطا من وعودك الإنتخابية .. فماذا جئت تقول للعالم الإسلامي من مصر المحروسة .. وهل يمكن أن يصدقك أحد بعد ذلك ...!؟
(2) المساعدات الأمريكية: هل صحيح أن أمريكا هي أكرم أمة في العالم وأنها أكثر الدول سخاء فيما يتعلق بالمساعدات الخارجية؟
أليست هذه أكبر فرية .. وأنها واحدة من تجليات "المعرفة الجاهلة" والمبالغات الشائعة عن أمريكا..؟ هناك تقارير رقمية رصدتها جهة دولية محايدة هي "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" خلال الفترة من 1995 إلى 1999، تبرز لنا الحقائق التالية:
1- تراوحت المساعدات الأمريكية للدول الأجنبية خلال هذه الفترة بين 6 إلى 9 بليون دولار، في حين تراوحت المساعدات اليابانية عن الفترة نفسها من 9 إلى 15 بليون دولار .. يعنى أن اليابان التى لا يكاد الناس يسمعون عن مساعداتها الخارجية تفوق كثيرا المساعدات الأمريكية التى يطنطنون لها فى العالم ..
2- من حيث نسبة المساعدات الخارجية إلى جملة الإنتاج القومي تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية والعشرين مما جعل الرئيس الأسبق جيمي كارتر يعترف قائلاً: "إننا أكثر الدول بخلاً في العالم"، إذ تبلغ النسبة في أمريكا 0.1% من الدخل القومي ..
3- كانت الأمم المتحدة قد وضعت هدفاً للمساعدة في تنمية الدول الفقيرة وهو نسبة 0.7% ولكن لم يحقق هذه النسبة سوى أربعة دول فقط ليست الولايات المتحدة واحدة منها ..
4- إلى جانب أن أمريكا من أقل الدول المتقدمة في منح المساعدات هناك حقيقة أخرى أسوأ .. وهي أنها تمنح مساعداتها بأسلوب انتقائي حيث توجه خمسين في المائة من ميزانية المساعدات [ ليس إلى دول فقيرة ] بل إلى دول متوسطة الدخل في الشرق الأوسط ..[ وتحصل إسرائيل وحدها وهي دولة غنية على النصيب الأكبر من هذه المساعدات ] ...!
5- الأدهى من ذلك أن تعترف الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية بأن المستفيد الأول ببرنامج المساعدات الخارجية لأمريكا كانت أمريكا نفسها .. ثم تضيف: "إن 80% تقريباً من العقود والمنح تذهب مباشرة إلى مصانع أمريكية [وهذا أحد شروط المساعدات الأمريكية ..] وأن هذه البرامج قد ساعدت في خلق أسواق جديدة للسلع الأمريكية ومئات الآلاف من الوظائف للأمريكيين ..!.
والخلاصة المفيدة أن المساعدات الأمريكية ليست أكثر من أداة لهيمنة الولايات المتحدة على الدول من ناحية، ولضمان أن يدفع فقراء العالم ضريبة لمساعدة شركات ووظائف أغنى دولة في العالم ...
عدم الاكتراث بالمشكلات التى تهدد الحياة على الكرة الأرضية:
أشير هنا إلى موقف واحد فقط حدث في مؤتمر"كيوتو" باليابان .. حيث اجتمع رؤساء دول العالم لوضع أهداف محددة لخفض نسبة الغازات المنبعثة من المصانع والسيارات التي تسببت في إحداث ثقب الأوزون وتغيير المناخ والاحتباس الحراري، ممّا يعرض الكرة الأرضية لكوارث طبيعية لاحدود لها .. فما الذي فعلته أمريكا وهى أكبر متهم فى هذه الجريمة الكونية ..!؟..لقد اعترضت على بروتوكول كيوتو فقتلته في المهد، وكان عذرها أقبح من الذنب .. فقد وقف الرئيس بوش الثاني يقول ببساطة واستعلاء: "أنا أقدّر رأيكم .. ولكن [هذا موقف أمريكا لأنه مناسب لها ..!!] ولكي أوضح الأمر لكم أقول: إننا لن نفعل أي شيء يسيء إلى اقتصادنا.. لأن أول كل شيء هو الشعب في أمريكا ..!" يعنى باختصار: نحن (رغم أنفكم) لن نوافق على ما اتفقتم عليه.. ولتذهبوا جميعا .. وليذهب العالم إلى الجحيم ...!!
فما الذي كان وراء إعلان الرئيس بوش وموقفه؟.. والإجابة هي: تقرير لوزارة الطاقة الأمريكية تحذر من إجراءات التحكم في ثاني أكسيد الكربون لأن ذلك سيؤدي إلى رفع أسعار الكهرباء ارتفاعاً كبيراً، ولا يريد الرئيس أن يتخذ موقفاً يسيء إلى المستهلكين الأمريكيين فهذا عنده أولى بالرعاية من الخراب الذي سيحل بالعالم نتيجة ثقب الأوزون، وارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد في القطبين .. حتى لو غرقت دلتا مصر كلها (كما يخوّفوننا .. عندما لا يجدون شيئا آخر يخوّفوننا به ...!
هل نستنتج من هذا كله أن أمريكا التي تنهب ثروات العالم لا تكترث بما يمكن أن يحل من خراب على هذا الكوكب .. كل ذلك في سبيل تحقيق الرخاء لأمريكا وتحقيق رغباتها الاستهلاكية المتزايدة التي لا تقف عند حد ..؟؟
الاستهلاك السفيه: نورد فيما يلى بعض حقائق مذهلة عن معدلات الاستهلاك الأمريكي كما جاءت في تقارير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة "UNDP", يقول التقرير:
إن الأمريكيين وحدهم يستهلكون أكثر من نصف سلع العالم .. بينما يمثلون من حيث نسبتهم العددية أقل من 5% من سكان العالم ...
إنهم ينفقون عشرة بلايين دولار في السنة على طعام الحيوانات المنزلية مثل الكلاب والقطط، وهو مبلغ يزيد أربعة بلايين دولار عن المبلغ المطلوب لتوفير الغذاء والصحة لكل أبناء العالم المحتاجين للغذاء والصحة .
وينفقون سنوياً ثمانية بلايين دولار على أدوات الزينة وهذا المبلغ يزيد 2 بليون دولار عن الاحتياجات المطلوبة لتوفير التعليم الأساسي لشعوب العالم الثالث.
دور الإعلام الأمريكي: لابد أن يكون وراء هذا الإنفاق السفيه عوامل تدفع إليه وتشجعه.. والإعلام الأمريكى ومن ورائه الشركات الإحتكارية الكبرى يقوم بهذا الدور على أكفأ مايكون .. وفي نفس الوقت يحجب هذا الإعلام نفسه عن الشعب الأمريكي حقيقة ما تعانيه الشعوب الفقيرة من آلام وفقر مدقع [الولايات المتحدة أهم صانعيه] .. ويحجب عنه ايضا بكفاءة لا نظير لها حقيقة الجرائم التى ترتكبها بلادهم فى العراق وأفغانستان .. والجرائم البشعة التى ترتكبها عميلتهم إسرائيل فى فلسطين .. وفى غزة على وجه الخصوص ...
إن المجتمع الأمريكي برغم وسائل الإعلام الهائلة بل [ بسببها ] هو مجتمع مغلق عن الحقائق والقضايا الدائرة في العالم الخارجي .. فأجهزة الإعلام تحتكرها فئة قليلة من الشركات الكبرى ، وهي تعمل أساساً لتجعل مشاهديها جهلاء ببقية العالم، واهتمامها الأكبر هو صناعة مستهلك سعيد .. لا مواطن عارف مستنير حر الفكر .. يسأل عن السياسة الخارجية لحكومته ويحاسبها على أخطائها .
يقوم الإعلام الأمريكي بعملية غسيل مخ يومي للجماهير لتأكيد عقيدة يقينية لديه:
 أن أمريكا تملك صحافة حرة لا مثيل لها في العالم.
 أن أمريكا تدعو إلى الحرية وتدعم حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم .
 أن ثراء أمريكا مصدره فقط التجارة الحرة .
 أن أسلوب الحياة الأمريكية هو أفضل ما حدث في تاريخ البشرية كله.
ومن ثم فلابد أن تكون أمريكا محبوبة وموضع إعجاب من كل إنسان. ثم تأتي الصدمة عندما نعلم عكس ذلك تماماً: أن أمريكا موضع خوف واشمئزاز .. وأن هذه النظرة قائمة على خبرة عملية مؤكدة مع القوات الأمريكية والسياسة الأمريكية خلال العقود الخمس الماضية.
النفاق الأمريكي: تعرف شعوب العالم النفاق الأمريكي مثلاً فيما يتعلق بالانتخابات الحرة والنزيهة التي تحضّ عليها، فقد لمستْ هذه الشعوب في الواقع العملي كيف تتدخل أمريكا في انتخابات بلادها .. وكيف تموّل أحزاباً معينة وكيف تساندها عن طريق أجهزة المخابرات الأمريكية للاستيلاء على السلطة .. وفى هذا المجال يمكن ذكر أسماء 23 دولة حدثت فيها التدخلات الأمريكية ابتداءً من لبنان في الخمسينيات على عهد كميل شمعون حتى البوسنة سنة 1998 مروراً بنيكاراجوا وبلغاريا وروسيا ومنغوليا وغيرها من الدول ..وقد خبَرْنا مدى التواطؤ الأمريكي فى تزوير الإنتخابات العامة سنة 2005خصوصا فى المرحلتين الثانية والثالثة .. وقد أخبرنا محمد حسنين هيكل أن شارون وهو يتابع الإنتخابات إتصل ببوش وقال له إن إصراركم على حرية الإنتخابات فى مصر يوشك أن يضع الإخوان فى السلطة .. وسنكون محاصرين عندذاك بحماس وحزب الله والإخوان .. فكفوا ضغوطكم عن الحكومة المصرية ... [ العهدة فى هذا الخبر عند الأستاذ هيكل وهو حي يرزق فاسألوه]...

هنا نأتي إلى هذا السؤال الهام: هل كراهية أمريكا مقصورة على شعوب أو فئات بعينها .. على سبيل المثال: العرب والمسلمين أو الأصوليين أو المفكرين اليساريين في أوروبا فقط..؟؟ واقع الحال يدل على أن العداء والاشمئزاز من سياسة أمريكا ومواقفها أقرب إلى أن يكون شعوراً كونياً يتوحد فيه الأصوليون والليبراليون، العرب واللاتينيون الأمريكيون، والآسيويون والأوروبيون بل وكثير من الكنديين الذين يعيشون في حضن أمريكا وجوارها.
وتلك بعض الأسباب الرئيسية لمشاعر الكراهية الشاملة تجاه أمريكا :
السبب الأول: أن أمريكا قد صممت الاقتصاد العالمي متعمدة إثراء نفسها ووضع مجتمعات العالم الثالث في دائرة الفقر المدقع، تفعل هذا تحت شعار "السوق الحرة" حتى أصبحت الدول النامية عاجزة عن تقديم خدمات اجتماعية لشعوبها بطريقة منظمة ومتواصلة .. فأمريكا من الناحية العملية تغتصب لقمة العيش من أفواه شعوب العالم الثالث ...
يأتي في هذا السياق "العولمة" التي تقودها أمريكا .. ففي هذه العولمة تتقلص الساحة الثقافية التي تتنفس فيها الشعوب وتعبر فيها عن مشاعرها وآلامها وهويتها .. وهكذا أصبح وجود هذه الشعوب نفسه من حيث هو وجود مادي أو سياسي أو ثقافي مشكلة مؤرقة لحياته. فلا غرابة أن تغضب هذه الشعوب بسبب ظروفها التعسة على أمريكا وهم يرونها المسئول الأول والمصدر المستمر لتعاستهم المستمرة.
السبب الثاني: يرجع إلى مركز أمريكا المتضخم أو المتعملق في العالم .. بحيث أصبح من المستحيل معالجة المشكلات العالمية. بدون تدخل أمريكا، فهي وحدها التي تستطيع أن تنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو الصراع الهندي الباكستاني على كشمير، وقد رأينا أنه بدون توقيع أمريكا أصبحت اتفاقية كيوتو كما أصبحت محكمة جرائم الحرب الدولية مجرد حبر على ورق، وبدون إيماء أمريكا بالموافقة لا يتحرك شيء في البنك الدولي ولا في الأمم المتحدة.
هذا التضخم الهائل للغطرسة الأمريكية هو الذي يفزع العالم ويرعبه فإذا لم يكن هناك حدود لهذه الغطرسة فما الذي يمنع أمريكا الإمبريالية من ابتلاع العالم ..!؟
السبب الثالث: تعتقد أمريكا أنها الأمة المختارة من الله ومن التاريخ لحكم هذا العالم .. وهي تقصر الخير على نفسها ومن يحالفها .. وتجعل الشر كله من نصيب بقية العالم. ولكنها وهي تفعل ذلك تبدو متناقضة مع نفسها، وهذا ما أبرزه بروس تون أستاذ بكلية التخطيط المدني والإقليمي بجامعة تنيسي في حديث له قال فيه: يتساءل الناس في أرجاء العالم لماذا تقول أمريكا شيئاً وتفعل شيئاً آخر مناقضاً لما تقول ..؟ لماذا تفرض على العالم معايير لا تطبقها على نفسها ..؟ كيف تستطيع أمريكا أن تقول أنها مستودع الخير كله، ومع ذلك تحمل هذا الاحتقار للفقراء وتنكر عليهم حقوقهم الأساسية في الغذاء والماء والدواء ..؟ ولذلك يتعجب الناس في إفريقيا لماذا توفر أمريكا القنابل والكمبيوتر للشعوب وتحرمهم من الدواء ..؟ ولا يستطيع الأوروبيون أن يبتلعوا حقيقة أن أمريكا تعارض حماية البيئة العالمية .. وتقف حائلاً دون محاولات منع صناعة الألغام الأرضية .. وهى سبّب ملايين الضحايا والمعوقين فى العالم..؟ ولماذا لا تتوقف أمريكا عن صناعة الأسلحة البيولوجية والكيماوية والنووية ..؟ ولماذا تصرّ على أن تبيع للأوروبيين وغيرهم لحوم وحبوب ملوثة بالأستيرويد من آثار الهندسة الوراثية ..؟!
يندهش الناس في أنحاء العالم ويتساءلون كيف تملك أمريكا أكثر النظم والمؤسسات التعليمية تقدماً ومع ذلك يبقي المجتمع الأمريكي جاهلاً بشئون العالم الخارجي إلى هذا الحد المذهل، لدرجة أن الأمريكي لا يستطيع أن يحدد على خريطة الكرة الأرضية موقع دولة صديقة لبلاده .. ولا يعنيه في شيء ما يحدث حوله في هذا العالم؟.. لماذا يميل الأمريكيون إلى عدم الثقة في الآخرين؟.. ولماذا يبدون هذا القدر الهائل من عدم الاكتراث بحاجات ورغبات وآمال بقية العالم ..؟
السبب الرابع: لم تعد أمريكا فقط هي القوة الوحيدة الأعظم في العالم بل أصبحت القوة التى تحدد للعالم مفاهيمه ومصطلحاته.. بمعنى أنها هي التي تتصدى لتعريف العالم: ما الديمقراطية ؟وما العدالة؟ وما الحرية؟ وما حقوق الإنسان؟ .. وما التعددية الثقافية؟، ومن هوالأصولي ؟ ومن هو الإرهابي ؟ وما الإرهاب وما الشر ..!؟ .. أما بقية العالم بما في ذلك أوروبا فعليه أن يقبل هذه التعريفات دون جدل أو مناقشة.
إن أمريكا تعـرّف كل ذلك في إطار هويتها وتاريخها وخبرتها وثقافتها الخاصة .. وباختصار شديد في إطار مصالحها الخاصة .. وهى تعريفات ليست معصومةً من الخلل.. فتعريفها لحقوق الإنسان تعريف يتلون تبعاً للظروف المتغيرة ويُستخدم كعصا لضرب أي دولة تتمرد على سياستها ولا تنصاع لأوامرها .. ومثل هذا الوضع يولد بالتأكيد قدراً كبيراً من الكراهية لأمريكا ...
هل أستطيع أن ألخص الموقف والمخرج منه في النقاط التالية:
 تنمو الكراهية وتتجذر في مناخ من البارانويا وفقدان الشعور بالأمن .. وعندما يسيطر هذا الشعور يتحول التفاهم العالمي إلى حوار بين "الطرشان .
 نقيض الكراهية هو الثقة بالنفس والثقة بالآخر .. ومشكلة العالم الجارية هي أن العالم لم يعد يثق في أمريكا ولا يأتمن أمريكا على ما في حوزتها من قوة رهيبة أنانية وغير مسئولة .. والمخرج من هذا أن تعرف أمريكا بوجود خير عام حقيقي لكل البشر كشيء منفصل عن مصالحها الخاصة.
 لأن أمريكا أصبحت تهيمن على العالم بقوتها الطاغية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً .. فهي حاضرة حضوراً حقيقياً في حياة جميع الأمم في هذا العالم .. ولا شك أن ثروتها ورخاءها مستمدان من علاقتها ببقية العالم .. ولكن استحواذها على هذه الثروة واحتكارها دون بقية الخلق تحت أي ذريعة عمل لا أخلاقي ومأزق إنساني .. ومشاركة الأمم في ثروات العالم هو المخرج الوحيد في هذا المأزق.
 المعرفة الجاهلة: أدت إلى إخفاق الأمريكيين في فحص التاريخ أو فهمه (تاريخهم وتاريخ العالم الخارجي على السواء) .. ولا يمكن تجاوز الكراهية إلا بالمعرفة الصحيحة .. والاعتراف بأن الإبتزاز الذى مارسته أمريكا على الشعوب الأخرى تحت أى ذريعة قد أضرّ بهذه الشعوب إضرارا بالغا.
 يستهدف الإرهاب الأبرياء وهذه جريمة لا شك فيها، ولكن مقاومة الإرهاب بالحرب لا يجب الاستهانة فيها بحياة الأبرياء وقتلهم كما تفعل أمريكا واعية ومدركة .. لأن المنطق الإنساني لا يبرر هذا القتل سواء كان بسبب الإرهاب أو بسبب الحرب على الإرهاب.
وهكذا يتبين أمام القارئ أن المشكلات القائمة بين أمريكا وبين العالم موجودة في أمريكا نفسها وليست في العالم .. وان أمريكا شيء والعالم شيء آخر ولا يمكن أن يكونا شيئاً واحداً .
ومن بين مشكلات أمريكا كما أكّدت فى مقال سابق أنها منقسمة على نفسها مضطربة .. وأن مجتمعها يتفسخ ويعاني من معتقدات متعارضة ومصالح متضاربة. تعاني أمريكا من أزمة هوية حقيقية تتصارع فيها ثقافتان متعارضتان بعنف متزايد .. وأمام أمريكا جهود مضنية لكي تتصالح مع نفسها وتنضج هويتها وتصل بها إلى حالة الاستقرار. تحتاج أمريكا أن تقيم سلاماً بينها وبين نفسها .. إنها تحتاج إلى ذلك بنفس القدر الذي تحتاجه لتتعايش بسلام مع العالم الخارجي.
المعرفة الجاهلة: الجهل البسيط أمر مفهوم وكذلك علاجه، أما الجهل المتنكر في صورة معرفة .. ومعرفة يقينية فذلك جهل غير مفهوم، ولعل صياغة هذه الحالة العقلية في عبارة (المعرفة الجاهلة) صياغة مبررة وإن كانت عسيرة على الإدراك.
هذه العبارة لا يُراد بها مجرد وصف لحالة عقلية فحسب .. وإنما هي وصف لموقف معرفيّ من الحقيقة ، صاحب هذه الحالة العقلية وقد اتخذ هذا الموقف من الحقيقة لابد أن يتورط في سلوك جدّ خطير، ولم أجد وصفاً بليغاً لهذا الموقف كما وجدته في هذه الآيات القرآنية الكريمة: { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ  وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ ...} (الآية 81 من سورة النمل).
أحاول بهذه المقدمة الضرورية أن أقترب من المعنى الذي قصده مؤلفا كتاب (لماذا يكره العالم أمريكا ..؟) عندما قدما إلينا (لأول مرة) مصطلح Knowledgeable Ignorance (المعرفة الجاهلة) .. ذكرنا فى المقالة السابقة إسم المؤلفين: زين الدين ساردار وميريل دافيز ..وأضيف هنا أن كلاهما مؤلف راسخ القدم في التأليف: فزين الدين ساردار ذو خبرة طويلة في الإذاعة والنقد الثقافي وله كتب عديدة ومشهورة، وله إسهام منتظم في الكتابة الصحفية خصوصاً في مجلة نيو ستيتسمان ومجلات أخرى بريطانية وعالمية، ولعل أبرز كتبه وأكثرها رواجاً في العالم كتابه (دراسات ثقافية)، أما ميريل دافيز فإلى جانب مؤلفاتها المعروفة هي عالمة (أنثروبولوجيا)، عملت فترة من حياتها في هيئة الإذاعة البريطانية مخرجة للبرامج الدينية، ومن أهم مؤلفاتها النقدية كتابها المعنون: (الآخرون البرابرة: منفستو العنصرية الغربية، 1993).
المعرفة الجاهلة:
اتضح للمؤلفان خلال تحليلاتهما المستفيضة للثقافة الأمريكية أن ما يعرفه الأمريكيون عن العالم الخارجي وبالذات عن الإسلام والمسلمين هراء، هو الجهل بعينه .. ولكنه جهل شاع واستحكم وثبت في الإدراك والذاكرة بحيث أصبح من أعوص المشكلات أن يحاول شخص في أمريكا أن يعرف شيئاً صحيحاً من حقائق الإسلام والمسلمين.
خطورة هذا النوع من الجهل أنه جهل شرس متغطرس لأن صاحبه يعتقد أن الفضائل الإنسانية كلها حكر على ذاته بينما استأثر الآخرون بكل أنواع الشرور والرذائل التي تخرجهم تماماً من دائرة الإنسانية وتجعلهم من الشياطين و الكائنات الشريرة.. هذه النظرة الأمريكية الثابتة قد شطرت العالم شطرين .. جعلت أمريكا وحدها في شطر احتكر لنفسه الحضارة الأعلى والتقدم والإنسانية، أما الشطر الثاني من البشرية فهو مصدر الظلام والهمجية والبربرية، يقول المؤلفان: من شأن هذه القسمة المتعسفة أن تطلق كراهية كونية متبادلة لا علاج لها .. ولا يصلح معها حوار، فالحوار الأمريكي مع الثقافات الأخرى أصبح غير ذي موضوع لأنه محسوم مسبقاً .. حسمته الحالة العقلية السائدة والمناخ الثقافي الذي ينفث سمومه في الفكر والإعلام.
 فمن أين جاء هذا الموقف؟..
لابد أن نفهم أن الأفكار الأساسية التي صنعت الأسطورة الأمريكية قد بدأت أصلاً في أوروبا .. نسجها الأوروبيون من خبراتهم الساخنة وحروبهم الطويلة المريرة مع العالم الإسلامي .. ومن الحرب النفسية التي صاحبت هذا الصراع التاريخي عبر القرون .. ولا يجب أن ننسى أن الهوية الأوروبية ذاتها قد تحددت معالمها وتشكلت ملامحها في إطار صراعها مع الإسلام، ومن أوروبا انتقل هذا التراث بحذافيره مع الأوروبيين الذين هاجروا إلى الأرض الأمريكية .. وقد تولدت في هذا المناخ الأفكار التي صنعت المجتمع الأمريكي الحالي، قد يعترض البعض فيقول إن هذا تاريخ قد مضى وانقضى، لكن الحقيقة أنها ليست مجرد تاريخ وإنما هي محركات ودوافع كامنة لا تزال تعمل في الأنفس والمجتمعات إلى اليوم، وتتجلى واضحة في ردود الفعل التلقائية وفي الأفكار والمواقف التي تبلورت حديثاً في موقف إمبريالي مفرط في غلوائه وشراسته تجاه الإسلام والعالم العربي.
المعرفة الجاهلة مشكلة وطريقة في التفكير:
عبارة (لماذا يكره العالم أمريكا ..؟) التي جعلها المؤلفان عنواناً لكتابهما لم ترد في صيغة التقرير بل فى صيغة سؤال يحتاج إلى إجابة، ونعلم من كلامهما في مقدمة الكتاب أن الإجابة على هذا السؤال تقع على طول التاريخ الأمريكي الذي يجسد علاقة الأمريكيين بالعالم الخارجي.
في هذا المجال يشير المؤلفان إلى استفتاء قامت به صحيفة ألـ (هيرالد تريبيون إنترناشيونال) في 20 ديسمبر سنة 2001م لقادة الرأي العام العالمي في مجالات السياسة والإعلام والتجارة والثقافة والحكم، فكشفت عن الحقائق التالية:
إن 18% فقط من الأمريكيين يضعون اللوم على سياسة حكومتهم الخارجية بينما 90% منهم يضعون قوة بلادهم وثروتها ورخاءها كسبب أساسي لكراهية الآخرين لها، في حين يرى 58% من قادة الرأي العالمي أن السياسة الأمريكية هي المسئول الأول عن إشعال الغضب والاستياء ضد أمريكا، ويرى غير الأمريكيين بصفة عامة أن الولايات المتحدة تتحمل المسئولية الكبرى عن الهوة السحيقة بين أغنياء العالم وفقرائه، وأن هجوم 11 سبتمبر 2001م كان مجرد عَرَض من أعْراض الاستقطاب المتزايد بين من يملكون ومن لا يملكون.
من هذا الاستفتاء يتبين لنا أن الغالبية العظمى من الأمريكيين ليس لديهم أدنى وعي بتأثير ثقافتهم أو سياسة حكوماتهم على بقية العالم، وأنكي من هذا أنهم لا يعتقدون أن أمريكا قد فعلت شيئاً خاطئاً.
لذلك يرى المؤلفان أن المشكلة المركزية المستقرة في صميم العلاقات الأمريكية مع بقية العالم هي مشكلة معرفية وبتحديد أدق هي (جهل معرفي) يُعمي الأمريكيين عن إدراك الحقائق خارج بلادهم، وأن هذا الجهل يتعلق بمعرفة البشر والأفكار كما يتعلق بمعرفة التاريخ والحضارات والأديان الأخرى وعلى الأخص الإسلام، وقد بلغ من تحكم هذا الجهل المعرفي أو (المعرفة الجاهلة) أنه قد أصبح يقيناً لا يتزعزع حتى عندما تتوفر الوسائل للمعرفة الصحيحة.
مصطلح (المعرفة الجاهلة) عند المؤلفين يشير إلى شيء أكثر من مجرد مواقف سلبية عامة، فهو يحدد المنهج الفكري والطريقة التي تقوم عليها هذه المواقف تجاه المعرفة، ويؤكدان أن مصدر هذا المنهج قد ترسخ في مجموعة الدراسات والخبرات التي عُرفت في التاريخ باسم الاستشراق، ومن ثم فإن المصدر الذي يرجع إليه الغرب ويأخذه في اعتباره كرأي صحيح ودليل موضوعي عن غير الغربيين هو نفسه المشكلة،[ فأكثر المستشرقين ( ولا أقول جميعهم ) كذّابون ومزوّرون وأصحاب هوى ...] .
وبالنسبة لأمريكا فإنها تزيد على ذلك اعتقادها أن أفكارها وتاريخها هما وحدهما المقياس لما هو معقول وسويّ وصحيح .. وما عدا ذلك فهو باطل، وهذا يعني أن أمريكا تبني ما تعرفه عن الثقافات الأخرى في إطار ما يعرف بـ (ثنائية المقابلة)، يعني في إطار طرفيين متعارضين: ما هو مثل كذا وما هو مختلف عن كذا، من هذا الموقف انبثقت المقولة المشهورة عن الرئيس بوش الابن: (إما أن تكون معنا وإما ضدنا) ..!
ومعنى هذا أن أمريكا قد انتهت إلى الاعتقاد بأنها تعرف أفضل من الجميع طبيعة الشعوب الأخرى وخصائصها .. وما يصلح لها وما لا يصلح، فإذا ذهبت تحلل هذه المعرفة لتبين لك أنها مجرد تراكمات لأحكام جزئية قائمة على تحليلات سطحية وتعميمات لا يبررها منطق ولا عقل .. وكل ما في الأمر أنها تهدف إلى خدمة المصالح الأمريكية.
والأمريكيون في هذا المجال لا يسمعون ولا يصدقون ما تقوله الشعوب الأخرى عن نفسها وعن مشكلاتها واحتياجاتها الحقيقية، وهذا موقف لا يمكن أن يثمر إلا (معايير مزدوجة)، ولأن المعرفة الجاهلة تقف حائلاً بين الأمريكيين وبين الإدراك الصحيح للحضارات الأخرى فإن الفهم المتبادل لن يحدث أبداً .. ولن يثمر أي جهد يتعلق بحوار الحضارات ...!
تلقي الروائية الأمريكية (دوريس ليسنج) مزيداً من الضوء على هذه النقطة فتقول: "أمريكا بلاد تأخذ كل شيء إلى أقصى المدى .. وتطبيقاً لهذا الموقف اخترعت فكرة [محـور الشـر] وتعريفه عند أمريكا أنه كائن معادٍ بالغ الأذى، أو هو مرض متوطن شديد الخفاء والخبث، ولا يوجد في عدد محدود من بلاد العالم .. بل منتشر في مجتمعات كثيرة في أنحاء العالم .. إنه كائن يثير الرعب والإرهاب أينما حلّ .. ولأنه شديد الخفاء لا يمكن تحديد معالمه .. إنه كائن مقطوع الصلة بجذوره الاجتماعية والتاريخية والثقافية" .. إن هذا الشكل من أشكال المطلق المتجاوز لقوى الطبيعة – في الرؤية الأمريكية – هو عين الكارثة التي توشك أن تحل بالعالم، والمستهدف الأول أو الضحية الأولى هي الإسلام والمسلمين ..
يعبر عن هذه الحقيقة (فيكتور ديفيز هانسون) المؤرخ العسكري الأمريكي في مقال بصحيفة (سيتي جيرنال) تحت عنوان طويل: إنهم [يقصد المسلمين] يكرهوننا لأن ثقافتهم منحطة وفاسدة .. ولأنهم يحسدون قوتنا ومكانتنا في العالم .. يقول: (إن الزعم بأن أمريكا كانت متحيزة في قضايا الشرق الأوسط هو كلام زائف .. وإن الديمقراطية والدستور والحرية والمواطنة كلها مخترعات أوروبية ذات أصل يوناني ولاتيني، وليس لها نظير في مكان آخر وعلى الأخص في العالم الإسلامي .. فالمسلمون حاقدون على النجاح الأمريكي والتفوق الأمريكي)، ثم يمضي قائلاً: (نحن أقوياء عسكرياً بينما العالم العربي في حالة من الضعف المقنط .. ليس بسبب أننا أكثر شجاعة .. . ولا لتفوق عددي، ولا لارتفاع مقياس ذكائنا ولا وفرة المعادن عندنا، ولا المناخ الطبيعي الأفضل بل لأننا نملك الثقافة الأفضل .. وعندما تقع الحرب فإن بليون إنسان مع بترول العالم كله لن يجدي نفعاً أمام قوتنا الكاسحة). يحشد المؤلفان في الفصل الثاني من الكتاب نماذج من هذه الكتابات في الإعلام الأمريكي سواء في الكتب أو الصحافة أو الأفلام والمسلسلات تنضح بالكراهية والازدراء بالإسلام والمسلمين وتصورهم في أبشع الصور، وقد بدأ هذا قبل حادثة 11 سبتمبر 2001 م، ومعنى هذا أن الكراهية والازدراء بالآخرين قد بدأت هناك أولاً .. فإذا ظهرت ردود فعل بالكراهية ضد أمريكا من جانب الآخرين فذلك أمر مفهوم.
أمريكا هي العالم:
تحت هذا العنوان جاء الفصل الثالث من الكتاب ليصور لنا كيف استطاعت أمريكا أن تستحوذ على ثروات العالم الثالث وتركته يسقط في هاوية الفقر.
يقول المؤلفان أن أمريكا تعتقد أنها هي العالم وأن العالم ليس شيئاً سوى أمريكا وإذا كان الأمر كذلك فمن الطبيعي أن يسخّر العالم نفسه [ متطوّعا أو مُكْرَهًا] لخدمة المصالح الأمريكية، ويتبع هذا (أن كل من تسوّل له نفسه أن يعمل ضد مصالح أمريكا أو ثقافتها أو يتجرأ على أن تكون له رؤية عن العالم مخالفة للرؤية الأمريكية فإنه إنما يعمل ضد خير هذا العالم وضد أمنه، وسواء كان هؤلاء أفراداً أو جماعات أو دولاً فإنهم يوصمون بأنهم قطاع طرق ومجرمون أو إرهابيون .. ولابد من القبض عليهم وإحضارهم أمام العدالة لينالوا جزاءهم، أو تذهب إليهم العدالة (حيث هم) بأسرع ما يمكن وبأكثر الأساليب كفاءة).
كان هذا هو منطق التدخل العسكري الأمريكي ليس في أفغانستان فقط أو العراق ولكنه كان هو المنطق الذي ساد لأكثر من قرن، ومن ثم أرسلت أمريكا قواتها إلى مناطق بعيدة مثل الفلبين والصين وكوريا وفيتنام واندونيسيا كما أرسلتها إلى جيرانها الأقربين مثل كوبا وكوستاريكا وجواتيمالا وجرينادا وغيرها .. وفي الوقت الذي تزعم فيه أمريكا أنها حامية حقوق الإنسان في العالم كانت هي أكبر من أهدر حقوق الإنسان وأهدر الاتفاقات والمعاهدات الدولية .. [ واحتضنت إسرائيل فى كل تحديّاتها لقرارت الأمم المتحدة ، وفى إنتهاكاتها المروعة لحقوق الشعب الفاسطيني وأمنه وحياته ] .. وخرجت أمريكا: عن الإجماع العالمي في أخطر القضايا التي تتعلق بالسلم والأمن الدوليين وحماية البيئة على هذا الكوكب الأرضي، وفي هذا المجال يورد المؤلفان العديد من الأدلة والنماذج على ذلك، من هذه النماذج: موقف أمريكا من مؤتمر الغذاء العالمي عام 1996 الذي اقترح أن يكون الحق في الغذاء لشعوب العالم الثالث من بين حقوق الإنسان فرفضته أمريكا، وبدلاً من ذلك قدمت حرية التجارة بديلاً لخدمة مصالحها الاقتصادية الأنانية الخاصة، وكانت هي الدولة الوحيدة تقريباً التي رفضت التوقيع على معاهدة منع صناعة الألغام الأرضية، كما عارضت إنشاء محكمة جرائم الحرب الدولية، وأفشلت قمة الأرض فى كيوتو باليابان ...
وقد رصدت "لجنة الأمم المتحدة ضد التعذيب" اختراقات أمريكية عديدة ومتكررة .. وذكرت أن أمريكا هي التي قامت بتدريب وتسليح أجهزة الاستخبارات سيئة السمعة في العالم مثل السافاك الإيراني في عهد الشاه، كما فعلت نفس الأمر مع بوليفيا وأرجواي والبرازيل وإسرائيل، وزودت أجهزة استخباراتها جميعاً بأدوات وتكنولوجيا التعذيب الحديثة.. واصبحت أمريكا أكبر مصدر لهذه التكنولوجيا التى تستخدمها قوات القمع فى النظم الإستبدادية ومنها بلاد عربية ضالعة فى التعذيب.
استغلال المنظمات الدولية:
ولكي تحافظ أمريكا على قوتها المتفوقة، وعلى هيمنتها الإمبريالية استخدمت المنظمات الدولية الاقتصادية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لفرض هيمنة اقتصادية وسياسية على شعوب العالم الفقيرة، ولتسهيل مهمة شركاتها العملاقة عابرة القارات سعت لفرض العولمة وآليات السوق على هذه الشعوب بدعوى تحرير التجارة العالمية، ومساعدة البلاد النامية على التنمية والنهوض، وهي في الحقيقة تكبلها بالقيود ، لتظل متخلفة غير قادرة حتى على استغلال مواردها الطبيعية أو الاستفادة بأساليبها التقليدية في الإنتاج.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن أمريكا تقوم بنهب ثروات العالم ولا يعنيها في شئ مصالح هذه الشعوب المنهوبة، وهي إذ تفعل ذلك تستخدم ثمانية أنواع من التلاعب الاقتصادي:
أولاً: تموّل أمريكا نموها الداخلي من مدخرات العالم عندها .. كما استغلت كونها قائدة للعملة الدولية في طبع بلايين الدولارات (أي صك عُملات ورقية لا رصيد لها) ونشرتها في العالم للتداول، لا سند لها سوى السطوة الأمريكية، وسمعة أمريكا الاقتصادية في العالم .. [ بدأت هذه السمعة تتدهور بعد ظهور الأزمة المالية الحالية ].
يذكر المؤلفان أنه خلال إدارة رونالد ريجان رفعت أمريكا سعر الفائدة إلى أعلى مستوى لها .. فانهار الاقتصاد المكسيكي فجأة، وبدأت أزمة الديون العالمية تتفاقم .. ومنذ ذلك الحين سقطت كثير من الدول في مصيدة الديون واضطرت إلى تعويم عملاتها المحلية في مواجهة قوة الدولار ووطأته.
ثانياً: نتيجة للضغوط الأمريكية أصبح ثلثا سكان العالم ليس لهم سلطان على اقتصاد بلادهم، وإنما وقع فريسة للتحكم الأمريكي وذلك من خلال صندوق النقد الدولي وشروط البنك الدولي التي تفرض على الدول المدينة (خصخصة اقتصادها) وبذلك فقدت دول العالم الثالث ملكيتها للقطاع العام الذي انتقل بأبخس الأثمان إلى أصحاب رؤوس الأموال الأمريكيين ومن يمثل مصالهم .
ثالثاً: تفسر أمريكا تحرير التجارة لتعني طريقاً مفتوحاً في اتجاه واحد تسيطر عليه المؤسسات التجارية عابرة القارات .. ويجري هذا منذ الثمانينات من القرن العشرين في محاولات دائبة لتحطيم أو تقليص الحواجز أمام هذا الغول الإمبريالي الشره .. وقد نتج عن هذه المحاولات تدمير الزراعات المحلية، وتبديد إنتاج الغذاء المحلي في كثير من الدول خاصة في أفريقيا، وبذلك فقدت هذه الدول أمنها الغذائي.
رابعاً: في إطار اتفاقات اقتصادية تحت شعار تحرير التجارة وتمكين منتجات الدول الإفريقية من الوصول إلى الأسواق الأمريكية كانت النتيجة أن أمريكا استطاعت أن تقحم منتجاتها على أسواق هذه البلاد فقضت على إنتاجها المحلي وتحولت حرية التجارة إلى قيود اقتصادية تكبل الشعوب الفقيرة.
وفي هذا يقول أندرو سيمز مدير برنامج الاقتصاد العالمي:
"نتيجة للسياسة الأمريكية في ظل العولمة تفقد الدول الفقيرة كل يوم 2 بليون دولار بسبب قيود التجارة العالمية .. ويموت 30 ألف طفل من أمراض كان يمكن التغلب عليها بقليل من الرعاية الصحية، ويُستنزف ستون مليون دولار من لحم هذه الدول الفقيرة لحساب الدول الغنية على هيئة فوائد ديون متراكمة".
خامساً: تنسف أمريكا جهود الدول النامية التي تحاول مستميتة تقليل الفاقد وتوفير الغذاء لشعوبها، إذ تضع أمريكا ضرائب باهظة على السلع الزراعية الأساسية المستوردة من هذه الدول مثل الأرز والسكر والبن والبهارات المطحونة، وتكلف هذه القيود الضريبية الدول النامية خسائر سنوية تبلغ 2.5 بليون دولار تذهب إلى خزائن الولايات المتحدة، وأمام هذا تقوم أمريكا بإغراق الأسواق المحلية لهذه الدول بمنتجات أمريكية بأقل من سعر المنتجات المحلية وكانت النتيجة كارثة على الإنتاج المحلي وعلى الاقتصاديات الضعيفة.
سادساً: ما صنعته أمريكا في القارة الإفريقية في إطار ما يسمى بقانون (AGOA) الذي ظهر في عهد الرئيس بوش الابن في أكتوبر سنة 2001م يعتبر نموذجاً صارخاً لنهب ثروة هذه القارة وإنهاكها حتى لا تقوى على النهوض في المستقبل .. والتفاصيل التي أوردها الكتاب في هذا المجال لا يكاد العقل يصدقها، ومع ذلك فهي مجرد سرد واقعي لمضمون هذه الاتفاقات التي تعطي للدول الإفريقية فُتاتاً لا يسمن ولا يغني من جوع في مقابل الشروط الأمريكية التالية:
1- إزالة جميع الحواجز أمام التجارة والاستثمار الأمريكيين، ومعاملة المصانع الأمريكية معاملة المصانع المحلية.
2- مواصلة الخصخصة وقطع الدعم الحكومي للقطاعات الفقيرة من السكان .. وإزالة كل أنواع الضبط و السيطرة على الأسواق والأسعار.
3- وضع حد أدنى لسن العمال (يعني حرمان الأطفال من العمل الذي قد يكون هو المصدر الوحيد لأسرة عاجزة أو مريضة.
4- ألا تشترك هذه البلاد في أي عمل من شأنه أن يضر بأمن الولايات المتحدة ومصالحها الخاصة .. وتعريف هذه الأمور وتحديد مفاهيمها مسألة مقصورة على ماتمليه أمريكا وما تدّعيه بلا مناقشة ...!
وهكذا بينما تضمن أمريكا لنفسها أكبر نفع من هذه ألـ (AGOA) فإن مصالح إفريقيا تنتهي إلى سراب ...!!
سابعاً: محاولات أمريكية ضاغطة لتخفيض أسعار السلع التي تنتجها الدول النامية، وبهذه الطريقة نجحت أمريكا في خفض تضخمها المالي على حساب إفقار الدول النامية.
ثامناً: لم تكتف أمريكا بكل ما تقدم من أساليب الاستغلال والنهب بل زادت عليه فرض العقوبات الاقتصادية، ففي خلال الثمانين عاماً الماضية فرضت أمريكا عقوبات اقتصادية على 120 حالة، منها 104 حالة حدثت بعد الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 1998 فقط فرضت أمريكا عقوبات اقتصادية على 75 دولة يؤلف سكانها 52% من مجموع سكان الكرة الأرضية .. وتستمر أمريكا فى إضافة ضحايا جُدد فى مسسل عقوباتها الإقتصادية ...!
المستفيد الأكبر من هذه الأوضاع المأساوية اللاإنسانية التي تفرضها أمريكا على دول العالم النامي هم الأغنياء الأمريكيون من أصحاب رؤوس الأموال وحيتان التجارة الدولية .. ثم المستهلكون الأمريكيون .. كل ذلك على حساب فقراء العالم الذين اُستنزفت ثرواتهم ودُمرت مجتمعاتهم واقتصادياتهم .. [ لدرجة أن هناك 16دولة أفريقية اليوم أصبحت عاجزة عن دفع أقساط فوائد ديونها التى تسببت فيها السياسة الإقتصادية لأمريكا.. والسبب بسيط: فهذه الأقساط تضخمت بالفوائد الربوية لتزيد عن مُجمل الدخل الوطنى كله فى هذه الدول..]
وطبعاً تنكر أمريكا كل هذا إنكاراً شديداً وتحاول فرض رؤيتها الخاصة على حساب الحقيقة، فهي تعترف بوجود فقر في البلاد النامية ولكنها تضع المسئولية في ذلك على عاتق هذه البلاد حيث تزعم أن هذه البلاد ترفض التغيير ولا تستمع إلى النصائح .. [ وهذا غير صحيح .. فهذه البلاد تنفذ روشتة البنك الدولي بحذفافيرها حتى إنتهت إلى الإفلاس .. و قد كتبت فى هذا الموضوع كثيرا .. فقد تبيّن لى أن المشروعات الإنمائية التى أشرف عليه البنك الدولي أو وافق عليها وتبنّاها باءت جميعها بالفشل الذريع .. فى كل بلاد آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بلا إستثناء ...]
أقول: هل بعد هذا كله نتساءل: لماذا يكره الناس أمريكا!؟ .. إن المفتاح الحقيقي لمستقبل هذا العالم (لأمريكا وللجميع) يكمن في أن تعمل أمريكا على أن توقف أسباب الكراهية الكامنة فى نسيجها الفكري والسياسي .. فهي موضع الكراهية وهي مصدرها معاً ..فهل تستطيع..!؟ وهل يستطيع باراك أوباما أن يفعل شيئا غير الوعود والكلام الرومانسى المعسول..!؟
وبعد: هل تستطيع ياسيادة الرئيس أوباما أن تغير شيئا فى بلادك لكى تستقيم لكم الأمور فى هذا العالم الذي يكره أمريكا ...!؟
:







رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لماذا, العالم, يكرها


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع