إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-03-2010, 02:46 PM
سحر سحر غير متواجد حالياً
مشرف
 


افتراضي لماذا انقلبت دول حوض النيل على مصر؟

نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا..
ونهجوا ذا الزمان بغير ذنـبٍ *** ولو نطق الزمان لنا هجانـا

أ
بيات من الشعر قالها الإمام الشافعي -رحمه الله- تتضمن حكمة لا مثيل لها تتمثل في ضرورة معرفة أن اللوم قد يقع على الشخص أو الدولة قبل أن يقع على الآخرين.. فجاءت هذه الأبيات في مواجهة نظرية المؤامرة التي دائما ما يسوّقها الأشخاص أو حتى الدول -خاصة دول العالم الثالث- لتبرير التقصير في أمر ما، وإلقاء المسئولية على طرف خارجي دون محاسبة النفس..

نقول هذا الكلام بعدما مُنيت الدبلوماسية المصرية بخسارة متوقعة جديدة في إفريقيا أكثر سوءا وأشد خطورة من فضيحة صفر المونديال. هذه الخسارة تمثلت في قرار دول منابع النيل السبعة التي تمدنا بـ95% من مياه النيل توقيع اتفاقية فيما بينها دون الالتفات لشروط مصر التي وضعتها للانضمام إلى هذه الاتفاقية..

حتى نفهم القصة لا بد أن نعرف أولاً الحقائق التالية:

أولا: مصر كما قلنا تحصل على 95% من المياه التي تحتاجها سواء للشرب أو الري من نهر النيل الذي ينبع من هذه الدول.. ومعنى هذا أن النيل بالنسبة لنا قضية أمن قومي.. أو مسألة حياة أو موت.

ثانيا: حصة مصر في هذه المياه ثابتة منذ عام 1959، وهي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب بموجب الاتفاقيات الدولية. طبعا في وقتها كان عدد سكان مصر أقل بكثير من عددهم الآن. وكانت المياه تكفي وتزيد في حينها.. أما الآن فإننا دخلنا في خط الفقر المائي والحمد لله.. فقر في كل شيء.. هذا الخط وفق المعايير الدولية هو 1000 متر مكعب للفرد من المياه سنوياً.

والآن نصيب الفرد لا يزيد على 760 متر مكعب. يعني ثلاثة أرباع الحصة. ويُفترض أن يتناقص نصيب الفرد ليصبح 500 متر مكعب عام 2020.. يعني النصف تقريبا.. وطبعا هذا التناقص لا يرجع لانخفاض حصة مصر من مياه النهر.. فكما قلنا الحصة ثابتة.. لكن السكان في زيادة.. ومعنى هذا إذا أردنا حل المشكلة فأمامنا اختياران: الأول تقليل عدد السكان ليصبح 50 مليون مثلا بدلا من 80 مليون.. وهذا مستحيل، أو زيادة حصة مصر من المياه.. وهذا هو بيت القصيد.

زيادة حصة مصر.. كيف؟

طبعا كما قلنا إن المياه لا تنبع من عندنا لكي نتحكم في حصتها بالزيادة والنقص، وإنما تنبع من هذه الدول (85% من المياه تأتي لنا من إثيوبيا، والنسبة الباقية من كل من أوغندا، رواندا، بوروندي، الكونجو الديمقراطية، كينيا، تنزانيا).

ومعنى هذا أنه لا بد من موافقة هذه الدول على زيادة حصتنا من المياه.. وبالطبع لكي يحدث هذا لا بد من الدخول في مشاريع مائية مشتركة بيننا وبينهم من أجل أن تعم الاستفادة للجميع.. فهي تحتاج إلى الطاقة الكهربائية بصورة أساسية، كما تحتاج إلى المياه. ولكن بصورة أقل..
ولذلك فكّرت مصر في إقامة مبادرة تعاونية تجمع هذه الدول هي مبادرة حوض النيل عام 1999. ثم تم التفكير في تحويل المبادرة إلى اتفاقية قانونية بيننا وبين هذه الدول تكون ملزمة للجميع بحيث لا يحدث تراجع.. كلام جميل.

لكن المشكلة برزت في ثلاث نقاط أساسية في صياغة الاتفاقية مثّلت وجهة النظر المصرية هي:

أولاً: الاعتراف بحق مصر التاريخي في المياه بموجب الاتفاقيات الدولية.

ثانياً: عدم قيام هذه الدول بإقامة أية مشاريع لديها بصورة منفردة يمكن أن تؤثر على حصتنا من المياه، إلا بعد أخذ الإذن منا.

ثالثاً: قرارات الاتفاقية لا بد أن تؤخذ بالإجماع، أو بالأغلبية المشروطة بموافقة مصر والسودان باعتبارهما دول المصب (بالمناسبة السودان حصتها ثابتة أيضاً بموجب الاتفاقيات الدولية، وتقدر بـ18.5 مليار متر مكعب سنوياً).

هذه البنود رفضتها دول المنبع.. لماذا؟

لأنها ترى أن الاتفاقيات التي أعطت مصر والسودان هذه الحصة تم توقيعها خلال احتلال بريطانيا لهذه الدول.. وبالتالي منذ استقلالها وهي تعارض فكرة الحق التاريخي لمصر في المياه. وبالتالي تطالب إما بالتفاوض على حصة مصر، أو حصول الجميع على حقوق متساوية، وهو ما ترفضه مصر.

كذلك تعترض هذه الدول على ما جاء في الاتفاقيات القديمة بشأن ضرورة أخذ إذن مصر قبل قيام أي منها بأي مشروعات لديها.. وطبعا هذا أمر مستفِز لها. فكيف تكون هي مالكة المياه، وتنبع من عندها، ثم تستأذن غيرها في التصرف في هذه المياه.. وبالتالي تعترض هذه الدول على حق الفيتو الممنوح لمصر في هذه الاتفاقية في حين تتمسك مصر والسودان به.

الأمر الثالث بخصوص عملية التصويت؛ حيث ترى هذه الدول أن التصويت على القرارات يكون بالأغلبية، وليس بالإجماع أو الأغلبية المشروطة وفق الرؤية المصرية.. لكن مصر تخشى من أن تتفق هذه الدول عليها.

هذه الخلافات قديمة -منذ استقلال هذه الدول أوائل الستينيات.. يعني منذ 50 سنة تقريبا- وليست جديدة كما قلنا، وكان يفترض أن تحاول مصر إزالتها بالطرق الدبلوماسية، وبتعميق التعاون مع هذه الدول التي نحتاج إليها ليس فقط في المحافظة على حصة مصر من المياه، ولكن لزيادتها أيضا..

لكن للأسف لم تهتم الدبلوماسية المصرية بهذه الدول في عهد السادات التي شهد حكمه توتراً مع إثيوبيا كاد يصل إلى التهديد بشن حرب ضدها إن هي حاولت التأثير على حصة مصر.. وبالطبع هذا الأسلوب لم يزد هؤلاء إلا تعنتاً وإعطاء فرصة لخصومنا وأعدائنا "أقصد إسرائيل" لكي تجعل هذه الدول تلوح بإمكانية منع وصول المياه (طبعا هذا تهديد صعب حدوثه؛ لأنهم لو أقاموا السدود فستغرق أراضي هذه الدول أولا، فضلا عن التكلفة العالية جدا لهذه السدود)..

وبالرغم من أن مصر في عهد الرئيس مبارك اتبعت أسلوب التهدئة مع هذه الدول، إلا أن الاهتمام بتوطيد العلاقات معها على كافة المجالات لم يكن على المستوى المطلوب.. وهو الأمر الذي انعكس في المفاوضات الخاصة بهذه الاتفاقية الأخيرة التي استمرت 11 عاما (1999-2010) ، ولم تحرز تقدماً بسبب الخلاف على نفس النقاط التي صارت أسطوانة مشروخة, وبالتالي فإن ما حدث في اجتماع وزراء الري في دول حوض النيل منتصف هذا الشهر لم يكن مفاجأة. حيث أعلنت دول المنبع أنها ستوقّع الاتفاقية فيما بينها بداية من الشهر القادم ولمدة عام، وإذا رغبت مصر والسودان في الانضمام إليها، فيمكن أن ينضما بدون شروط.. هذا الاجتماع صورة بالكربون من اجتماع مماثل عُقِد في الكونجو العام الماضي. وفي حينها شعرت مصر بالخطر وبدأت تهتم بهذه الدول بعض الشيء، لكن هذا الاهتمام جاء متأخرا جدا.. وبالطبع زار وزير الخارجية الإسرائيلي بعض هذه الدول نهاية العام الماضي لتحريضها على التمسك بموقفها.. ويبدو أنه نجح في ذلك.

والحل؟

الخلاصة أن هذه الدول أعطت ظهرها لنا، وليس أمامنا من حل سوى محاولة التقرب منها من جديد.. ليس من أجل سواد عيونها، ولكن لأننا نرغب في زيادة حصتنا من المياه، والتي لن تحدث إلا بموافقتها.. ومعنى هذا أننا مطالبون بضرورة وضع استراتيجية طويلة الأجل للتعامل مع هذه الدول.. أهم ملامح هذه الاستراتيجية ما يلي:

1- تنويع مجالات التعامل مع هذه الدول. بمعنى ألا ننظر إليها على أنها تعطينا المياه فقط بموجب اتفاقية دولية.. وبالتالي لا نهتم بها.. فهذه الدول بها خيرات كثيرة, ويكفي على سبيل المثال معرفة أن اللحوم الإثيوبية من أفضل وأرخص أنواع اللحوم في العالم؛ لأن الماشية هناك تتغذى على المراعي الطبيعية. إذن يمكن استيراد هذه اللحوم من إثيوبيا.. كما ينبغي للإعلام أن يكون أداة للتواصل مع هذه الدول والتعريف بها، وتحسين صورة مصر والمصريين لديها.. ففي إثيوبيا ينظرون لمصر على أنها دولة محتلة منذ عهد محمد علي، وليس لها همّ سوى سرقة مياه النيل الخاصة بهم بدون أي مقابل.. هذه الصورة في منتهى الخطورة؛ لأن القيادة السياسية في هذه البلاد لا تريد أن تُغضب شعوبها التي هي غاضبة على باقي تصرفاتها.

2- لا بد أن يكون للأزهر والكنيسة دور هام في التواصل مع هذه الدول واستعادة الدور القديم لهما.. ويكفي أن نعرف أن الكنيسة الإثيوبية كانت لفترة طويلة تابعة لكنيسة الإسكندرية، لكنها استقلت عنها بسبب إحساسها بهيمنة الكنيسة المصرية عليها.

3- تجنب الحديث عن أي مواجهة عسكرية؛ لأنها فضلاً عن كونها صعبة إن لم تكن مستحيلة، فإنها تساهم في سكب مزيد من الزيت على النار, لكن ليس معنى هذا التفريط في حقنا.. فكما قلنا هي لا تستطيع أن تأتي ناحيته بسبب الظروف الطبيعية والعقبات المالية. لكن يمكن أن نعرض الأمر على الاتحاد الإفريقي. وإن كان هذا الأمر صعب عمليا؛ لأن إثيوبيا هي مقر الاتحاد الإفريقي.. كما لا ينبغي الحديث عن عرض الأمر على التحكيم الدولي في هذه المرحلة؛ لأن حكم التحكيم مُلزم.. والمشكلة عندنا ليست في الاتفاقيات القديمة أو الحصة الثابتة، ولكن المشكلة أننا نرغب في زيادة الحصة. ولن يحدث هذا إلا من خلال الحصول على موافقة هذه الدول وهي الخطوة التي لن تحدث إلا بالتراضي.

4- التحرك صوب الجهات المانحة كالبنك الدولي وغيره في محاولة لإقناعها بعدم تمويل أي مشاريع للمياه إلا في حالة انضمام كل دول الحوض إلى الاتفاقية.

هذه هي بعض ملامح الاستراتيجية، ويبدو أننا لا بد أن نعيد الاهتمام بإفريقيا كما كان الحال في عهد عبد الناصر إن لم يكن أكثر؛ لأن إدارة الظهر لها يكلفنا الكثير.. فهل من مجيب؟؟
التوقيع:
أحياناً يغرقنا الحزن حتى نعتاد عليه .. وننسى أن في الحياة أشياء كثيرة يمكن أن تسعدنا وأن حولنا وجوهاً كثيرة يمكن أن تضيء في ظلام أيامنا شمعة .. فابحث عن قلب يمنحك الضوء ولا تترك نفسك رهينةللاحزان
رد مع اقتباس
قديم 05-03-2010, 04:03 PM   رقم المشاركة : [2]
اميره علي
عضو VIP
 
افتراضي

شكرا يا سحر علي المقالة المفيدة دي


اميره علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-03-2010, 06:02 PM   رقم المشاركة : [3]
محمود طربوش
عضو
 
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى محمود طربوش إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى محمود طربوش
افتراضي

شكرا ليكى ياسحر على هذا التوضيح الجيد


التوقيع: إذا اختفى العدل من الأرض لم يعد لوجود الإنسان قيمة
محمود طربوش غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-03-2010, 07:05 PM   رقم المشاركة : [4]
على الشامى
إداره الموقع
الصورة الرمزية على الشامى
 
افتراضي

للاسف هذا هو حال الام وهي مصر ام الدنيا تقف بجوار الجميع ولا تحتاج من احد اى شيء


التوقيع:


على الشامى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لماذا, مصر؟, النحل, انقلبت


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع