إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-15-2011, 05:12 PM
safy nada safy nada غير متواجد حالياً
مشرف
 

افتراضي ملف كامل عن المواريث فى الإسلام


أولاً ـ نبذة موجزة عن مشروعية الإرث في الإسلام

فرض الله جلّ وعلا المواريث بحكمته وعلمه ، وقسمها بين أهلها أحسن قسم وأتمَّه ؛ فجاءت آيات المواريث شاملةً لكلّ ما يُمكن وقوعه .

وكذا رسوله r بيَّن ما أُنزل إليه من ربِّه أتمَّ بيان ، وأمر بإلحاق الفرائض بأهلها ، سواء منهم الإناث والذكران .

وقد كان أهل الجاهلية في جاهليتهم لا يُورّثون النساء ولا الصبيان ، فأبطل الله حكمهم المبني على الجهل والطغيان ، وجعل الإناث يُشاركن الذكور بحسب ما تقتضيه حاجتهنّ ؛ فجعل للمرأة نصف ما للرجل من جنسها دون زيادة ولا نقصان ، ولم يحرمها كما فعل أهل الجاهلية ، ولا سوَّاها بالرجل كما فعل بعض من انحرف عن مقتضى العقل والفطرة السوية ؛ فقال عزّ من قائل : ) آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيُّهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إنَّ الله كان عليماً حكيماً( [النساء : 11] ، وقال في آية أُخرى : ) وصيةً من الله والله عليم حليم * تلك حدود الله ومن يُطع الله ورسوله يُدخله جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهين ( [النساء : 12-14] ، وقال في آية ثالثة : ) يُبيِّن الله لكم أن تضلُّوا والله بكلّ شيءٍ عليمٌ( [النساء : 176] .
" فبيَّن الله تعالى أنَّه فرض المواريث بحسب علمه وما تقتضيه حكمته ، وأنَّ ذلك فرضٌ منه لازمٌ لا يحلّ تجاوزه ولا النقص منه ، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشّى فيها على ما حدَّه وفرضه جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين ، وتوعَّد من خالفه وتعدَّى حدوده بأن يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهينٌ . كما امتنّ بفضله علينا بالبيان التامّ حتى لا نضلّ ولا نهلك ، فلله الحمد رب العالمين " .

فالشريعة الإسلامية ـ إذاً ـ قد وضعت نظام التوريث على أحسن النظم المالية . والقرآن الكريم بيَّن أحكـام المواريث ، وأحوال كلّ وارث بياناً شاملاً شافياً ، لا يدع مجالاً لأحدٍ من البشر أن يقسم أو يُحدِّد شيئاً من ذلك .


ثانياً ـ حكمة مشروعية الإرث

الإنسان في هذه الحياة أكرم مخلوقاتها ، وهو مستخلف في الأرض ، ومحتاج إلى ما يضمن له بقاء هذا الاستخلاف .

والمال وسيلة لتحقيق ذلك ، يحتاج إليه الإنسان ما دام على قيد الحياة ، فإذا مات انقطعت حاجتـه ، فكـان من الضروري أن يخلفه في ماله مالكٌ جديدٌ . فلو جُعل ذلك المالك الجديد أولَ شخص يحوز المال ويستولي عليه ، لأدَّى هذا إلى التشاحن والتنازع بين الناس ، وتغدو الملكية حينها تابعة للقوة والبطش .

من أجـل ذلك جعلت الشريعة المالَ لأقارب الميت ، كي يطمئنّ الناس على مصير أموالهم ؛ إذ هم مجبولون على إيصال النفع لمن تربطهم بهم رابطة قوية من قرابة أو سبب .

فـإذا مات الشخص ، وترك مالاً ، فإنّ الإسلام يجعل هذا المال مقسَّماً على قرابته ؛ الأقرب فالأقرب ، ممن يُعتبر شخصه امتداداً في الوجود لشخص الميت ؛ كالأولاد ، والأب ، ومن يليهما في درجة القرابة .


الحكمة في تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث

قد يتساءل البعض عن الحكمة التي لأجلها يُعطى الذكر من الميراث أكثر ممّا تُعطاه الأنثى ، والجواب على هذا التساؤل يظهر بتأمّل وظيفة كلّ من الذكر والأنثى في الحياة ؛

(1)- فالذكر أحوج إلى المال من الأنثى ؛ إذ الرجال قوّامون على النساء ، والمرأة مكفيَّة المؤنة والحاجة ؛ فنفقتها واجبة على ابنها ، أو أبيها ، أو أخيها ، أو غيرهم من قرابتها . والقائم على غيره ، المنفِق مالِه عليه ، مترقِّبٌ للنقص دائماً ، ومكفيُّ المؤنة والحاجة يترقَّب الزيادة دائماً . والحكمة في إيثار مترقِّب النقص على مترقِّب الزيادة جبراً لنقصه المترقب ظاهرة جداً .

(2)- المرأة لا تُكلَّف بالإنفاق على أحد ، بخلاف الرجل ؛ فإنَّه مكلَّف بالإنفاق على الأهل والأقرباء وغيرهم ممَّن تجب عليه نفقتهم .

(3)- الرجل يدفع مهراً لزوجته ، ويُكلَّف بنفقة السكن ، والمطعم ، والملبس لزوجه وأولاده . وكذا أجور التعليم ، وتكاليف العلاج ، وثمن الدواء ، وغير ذلك ممَّا يدفعه الرجل دون المرأة .

فحين كانت النفقات عليه أكثر ، والالتزامات عليه أكبر ، استحق أن يكون نصيبه أكثر وأوفر .

وهكذا لا تجد المرأة نفسها في حاجة إلى المال في نظام الإسلام ؛ فما تأخذه من نصيبها في الميراث ، ومهرها من الزوج ، يكون مالاً محفوظاً لا يتعرَّض للنقصان .

ولذا كان من الطبيعي أن تأخذ نصف نصيب الرجل . بل إنّ في إعطائها هذه النسبة ـ وهي لا تكلَّف بتكاليف مادية ـ محاباة لها على الرجل ، يقصد الإسلام من وراء ذلك إكرامها ، وإعزازها ، وصيانتها من الفاقة والحرمان .


ثالثاً ـ بيان الأسس الشرعية التي يقوم عليها فقه المواريث ،وتميُّز الإسلام عن غيره في ذلك

يقوم نظام الإرث في الشريعة الإسلامية ، على مجموعة من الأسس ، يتميَّز بها عن سائر الأنظمة الأخرى . ومن هذه الأسس :

(1)- وقف الإسلام موقفاً وسطاً بين الاشتراكية الشيوعيّة ، وبين الرأسماليّة والمذاهب التي تقول بالحرية الشخصيَّة في التملك ؛ فالاشتراكية الشيوعية ـ كما وضعها كارل ماركس ـ تُنكر مبدأ الإرث وتعتبره ظلماً يتنافى مع مبادئ العدالة ؛ فلا تُعطي أبناء الميت وأقرباءه شيئاً مطلقاً ؛ والرأسمالية وما يُشابهها من المذاهب الاقتصادية تترك مطلق الحرية للمورِّث في التصرف بماله كيف شاء ؛ فله أن يحرم أقرباءه كلَّهم من ميراثه ، ويُوصي به إلى غريب ؛ من صديق أو خادم . وكثيراً ما يُوصي الرجل أو المرأة ـ في المجتمعات الغربية ـ بكلّ ثرواتهم أو بعضها لكلبٍ ، أو قطةٍ ، أو ما أشبه ذلك من الوصايا العجيبة الغريبة .

(2)- الإرث في النظام الإسلاميّ واجبٌ بالنسبة إلى الوارث والمورِّث ؛ فلا يملك المورث أن يمنع أحد ورثته من الإرث . وكذا الوارث يملك نصيبه جبراً من غير اختيارٍ منه ، ولا حكمٍ من قاض ؛ فليس له أن يردّ إرثه ، أو شيئاً منه .

بينما نجد الأنظمة الأخرى لا تُوجب شيئاً من ذلك . بل نجد القانون الفرنسي لا يُثبت الإرث إلاَّ بعد حكم القضاء ؛ فهو اختياريّ عندهم لا إجباريّ .

(3)- النظام الإسلاميّ جعل الميراث في دائرة الأسرة لا يتعدَّاها ؛ فلا بُدّ من نسبٍ صحيحٍ ، أو زوجية ـ والولاء يُشبه صلة النسب ، فكان ملحقاً به ـ . وبذلك لا يرث الولد المتبنَّى، ولا ولد الزنى ، ولا المولود من نكاح باطل أو فاسد. وفي دائرة الأسرة يُفضِّل الإسلام الأقربَ فالأقربَ إلى المتوفّى؛ ممن يُعتبر شخصه امتداداً في الوجود لشخص الميت؛ كالأولاد والأب ومن يليهما في درجة القرابة .

بينما نجد الحال في الأنظمة الأخرى مخالفاً للنظام الإسلامي تماماً ؛

فعنـد اليهود يرث الأولاد الذكور ، ويُعطى للولد البكر نصيب اثنين من إخوته ، دون تفريق بين المولود من نكاح صحيح ، أو غير صحيح . ولا يُحرم الولد البكر من نصيبه بسبب كونه من نكاح غير شرعيّ .

وفي الأنظمة الغربية يمكن للغريب ؛ من صديق ، أو خادم أن يرث ، ويمكن للولد اللقيط ، وولد الزنى أن يرث ، بل يرث عندهم من لا علاقةَ قرابة له بالميت ، بل وحتى الحيوانات كما قدَّمنا .

ذكر الدكتور مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ أنّ أحد الأثرياء في إحدى الدول الغربية كتب في وصيته التي قُرئت بعد موته : أنه ترك كلّ أملاكه ؛ وهي منزل ريفي كامل ، وعقار ، ومكتبه الخاص ، وسيارته ، وخمسين ألف جنيه في البنوك، لسكرتيرته الحسناء، ولم يترك لزوجته قرشاً واحداً، وقال في تلك الوصية : إني لم أترك لزوجتي شيئاً ؛ لأنها كانت سبب شقائي وآلامي المستمرة ، ولا تستحق إلا الفقر والموت ، وإنني أترك كل أموالي لسكرتيرتي التي أحببتها ، وأخلصت لها ، وإليها يرجع الفضل في التغلُّب على نكد زوجتي .

(4)- النظام الإسلامي قدَّر نصيب الوارثين ـ عدا العصبات ـ بالفروض ؛ كالربع ، والثمن ، والسدس ، والنصف ، والثلث ، والثلثان . ولا مثيل لهذا في سائر الأنظمة والشرائع القديمة والحديثة .

(5)- إنَّ توزيع الإرث بالسهام المقدَّرة يؤدّي إلى تفتيت الثروة وتوزيعها ؛ فلا يبقى المال دولةً بين الأغنياء . بخلاف بقية الأنظمة التي تحصر الثروة في شخص واحد قد لا يمتّ للميت بصلة ، وتحرم أقرباءه من أقلّ حقوقهم .

(6)- جعل النظام الإسلاميّ للولد الصغير نصيباً من ميراث أبيه يُساوي نصيب أخيه الكبير ؛ فلم يُفرِّق بين الحمل في بطن أمه ، وبين الولد الكبير في العائلة الكبيرة . كما أنَّ النظام الإسلامي لم يُفرِّق بين الولد البكر وغيره من الأولاد ـ كما هو واقع الحال في شريعة اليهود المحرّفة ، وفي القانون البريطاني ـ ؛ وذلك لأنّ الصغار قد يكونون أحوج إلى مال يصون معيشتهم من إخوانهم الكبار الذين عملوا وجمعوا لأنفسهم ثروة خاصة بهم ، مستقلة عن ثروة أبيهم .

فالولد البكر عند اليهود يأخذ نصيب اثنين من إخوته .

ولقد كان العرب في الجاهلية قبل الإسلام يمنعون الصغير من الذكور ـ فضلاً عن الإناث ـ من إرث أبيه ، ويقولون : لا يُعطى إلا من قاتل ، وحاز الغنيمة .

(7)- جعل النظام الإسلامي للمرأة نصيباً من الإرث ؛ فالأم ، والزوجة ، والبنت ، وبنت الابن ، والأخت ، وأمثالهنّ ، لهنّ نصيبٌ من مال الميت يضمن لهنّ حياة كريمة خالية من هوان الفاقة ، ومذلَّة الفقر .

بخلاف بعض الأنظمة التي حرمت المرأة من ذلك تماماً ؛

فالقانون الفرنسيّ حرم الزوجة من الميراث ، ولم يُعطها شيئاً من ذلك .

والمرأة ـ أماً كانت ، أو زوجة ، أو بنتاً ـ قبل أن تبزغ شمس الإسلام كانت لا تُعطى شيئاً من الإرث، بحجة أنها لا تقاتل، ولا تدافع عن حمى العشيرة . وكـان العـربي يقول : "كيف نعطي المال من لا يركب فرساً ، ولا يحمـل سيفاً، ولا يقاتل عدواً"؛ فكانوا يمنعونهـا من الإرث ، كما يمنعون الوليد الصغير .

وكذا اليهود يُعطى الميراث عندهم للولد الذكر ، فإذا تعدّد الذكور ، كان للولد البكر نصيب اثنين من إخوته . وأما الأنثى فلا ميراث لها عندهم .

(8)- جعل النظام الإسلامي الحاجة أساسَ التفاضل في الميراث ؛ فأبناء الميت أحوج إلى ماله من أبيه ؛ لأنَّ مطالب الحياة قد لا ترهق جدّهم ، كما ترهقهم وهم شباب في مقتبل أعمارهم .

وكذا مطالب الابن الذكر في الحياة ، وفي نظام الإسلام نفسه أكثر من مطالب أخته ؛ فهو الذي يُكلَّف بإعالة نفسه متى بلغ سنّ الرشد ، وهو المكلَّف بدفع المهر لزوجته ، وبنفقة الزوجية ، ونفقة الأولاد ؛ من تعليم ، وتطبيب ، وكساء ، وغير ذلك . ثمّ هو المكلَّف بإعالة أبيه أو أقربائه إذا كانوا فقراء . أمَّــا البنت فلا تكلَّف بشيءٍ من ذلك ؛ فنفقتها على أبيها ما دامت في بيتـه ، ثمّ إذا انتقلت إلى بيت الزوجية كانت نفقتها على زوجها . فإذا فارقت الزوج بطلاق أو موت ، انتقل واجب الإنفاق عليها إلى أبيها ، ثمّ إلى من بعده ، بحسب الترتيب الوارد في نظام النفقات .


رابعاً ـ التعريف بعلم الفرائض والمواريث


الفرائض : جمع فريضة ؛ وهي مأخوذة من الفرض الذي له عدة معان لغوية ؛

منها : التقدير ؛ كما في قوله تعالى : ) وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم( [البقرة : 137] ؛ أي قدَّرتم .

ومنها : التبيين ؛ كما في قوله تعالى : ) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم( [التحريم : 2] ؛ أي بيَّن .

ومنها : التنزيل ؛ كما في قوله تعالى : ) إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد( [القصص : 85] .

ومنها الإحلال ؛ كما في قوله سبحانه : ) ما كان على النبيّ من حرجٍ فيما فرض الله له( [الأحزاب : 38] .

وهـذه المعاني اللغوية كلّها موجودة في الميراث ؛ لأنّ سهام الوارثين فيه مقدَّرة ، قد بيَّنها الله تعالى ، وأنزلها في كتابه ، وأحلَّها للوارثين .

والمواريث : جمع ميراث .

ولفظ ميراث في اللغة مصدر من : وَرِثَ يَرِثُ إِرْثاً وميراثاً .

وهويطلق في اللغة على معنيين ؛ أحدهما : البقاء . ومنه اسم الله تعالى "الوارث" ؛ فإنّ معناه الباقي بعد فناء خلقه .

والمعنى الثاني : انتقـال الشـيء من شخصٍ إلى شخصٍ آخر ، أو من قومٍ إلى قومٍ آخرين ، حسياً كان ؛ كانتقــال المال إلى وارث موجود حقيقة ، أو حكماً ـ كانتقـالـه إلى الحمل قبل ولادتـه ـ ؛ أو معنـويـاً ؛ كانتقال العلم والخلق . ومن ذلك قوله r : "العلماء ورثة الأنبياء" .

فهو أعمّ من أن يكون بالمال ، أو بالعلم ، أو بالمجد والشرف .

والمراد بعلم الفرائض ، أو علم المواريث في الشريعة الإسلامية :

التركة التي خلَّفها الميت وورَّثَهــا غيرَه .

أو استحقاق الإنسان لشيء بعد موت مالكه بسبب مخصوص وشروط مخصوصة .

أو انتقال الملكية من الميت إلى ورثته الأحياء ، سواء كان المتروك مالاً ، أو عقاراً ، أو نحوه .

والميت : مورِّث . وذاك الغير : وارث . والتركة : موروثة .

وعلم المواريث : هو علمٌ بقواعد فقهية وحسابية ، يُتوصَّل بها إلى معرفة الحقوق المتعلقة بالتركة ، ونصيب كل وارث منها . وهو علمٌ مستمدٌ من الكتاب والسنة والإجماع .


خامساً ـ أهمية علم الفرائض ومكانته في الإسلام


لعلم الفرائض مكانةٌ خاصَّةٌ في الإسلام ؛ لما له من علاقة ظاهرة بكل فردٍ في المجتمع .

ومما يدلّك على أهميته من كتاب الله تعالى : أنّ الله عزّ وجلّ تولّى تقدير الفرائض بنفسه ، ولم يُفوَّض ذلك إلى أحدٍ من خلقه ، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشّى فيها على ما حدَّه وفرضه جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ، وتوعَّد من خالفه وتعدَّى حدوده بأن يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهينٌ .

وكذا جاءت السنة المطهرة شارحة لأحكام الميراث ، ومبينة لفضله ؛ فقال r : "ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" .

ولقد رغَّب النبيّ r في تعلّم هذا العلم الشريف وتعليمه ؛ كيلا يجهل النّاس نظاماً شديد الصلة بحياتهم العائلية ، وعلائقهم المالية .

فقد أخرج الإمام الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : "تعلَّموا القرآن والفرائض وعلِّموا النَّاس فإنِّي مقبوض" .

وأخرج الإمام ابن ماجه عن أبي هريرة نحوه ، وفيه قوله r : "يا أبا هريرة تعلَّموا الفرائض وعلِّموها فإنه نصف العلم وهو يُنسى، وهو أول شيء يُنزع من أمَّتي" .

وأخرج الإمامان أبو داود ، وابن ماجه في السنن من حديث عبدالله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله r : "العلم ثلاثة ، وما سوى ذلك فضل : آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة" .

وأخرج الإمام الدارمي في سننه من حديث عبدالله بن مَسْعُودٍ قال : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَالْعِلْمُ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي فَرِيضَةٍ لا يَجِدَانِ أَحَدًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا" .

ولعلّ من الحكمة في الحثّ على تعلّمه : ما أشار إليه النبيّ r من كونـه يُنسى ؛ إذ هو علمٌ توقيفيّ ، لا مجال للرأي فيه ، فلا بُدّ من أخذه على طريق التلقي .

ولقد اهتمّ سلفُنا الصالح رحمهم الله تعالى بهذا العلم ، وحضُّوا على دراسته وتعلّمه :

فهذا الفاروق عمر t يحثّ على تعلّم هذا العلم بقوله : "تعلَّموا الفرائض فإنَّها من دينكم"

، وبقوله : "تعلَّموا الفرائض واللَّحْنَ والسُّنَن كما تعلَّمون القرآن" .

وكذا حثَّ على تعلّمها عبدالله بن مسعود t بقوله : "تعلَّموا الفرائض والطلاق والحجَّ فإنَّه من دينكم" ، وبقوله : "تعلَّموا القرآن والفرائض ؛ فإنَّه يُوشِك أن يفتقر الرجلُ إلى علمٍ كان يعلمه ، أو يبقى في قومٍ لا يعلمون" ، وبقوله : "من قرأ القرآن فليتعلَّم الفرائض ، فإن لقيه أعرابي قال : يا مهاجر أتقرأ القرآن . فإن قال نعم ، قال : تفرض . فإن قال نعم ، فهو زيادة وخير ، وإن قال لا ، قال : فما فضلك عليَّ يا مهاجر" .

وكذا أبو موسى الأشعري t حثَّ كما حثَّ غيره من الصحابة على تعلّم الفرائض، وشبَّه من علم القرآن ولم يعلم الفرائض بالبرنس الذي لاوجه له ؛ فقال: "من علم القرآن ولم يعلم الفرائض فإنّ مثله مثل البرنس لا وجه له ، أو ليس له وجه" .

وهذا الحثّ والحضّ على تعلّم الفرائض ، كان ديدن السلف رحمهم الله تعالى جميعاً ؛ فقد أخبر عنهم شيخ التابعين الإمام الحسن البصري رحمه الله أنَّهم "كانوا يُرغبون في تعليم القرآن والفرائض والمناسك" .

وهذا يدلّك على أهمية هذا العلم الشريف ومكانته .

وقـد اشتهر من علماء الصحابة بالفرائض عددٌ كثيرٌ ، منهم : زيد بن ثابت ، وعبدالله بن مسعود ، وعبدالله بن عبَّاس ، وعائشة ، وعثمانy .

وكان المبرّز في هذا العلم منهم : زيد بن ثابت t ، الذي شهد له رسول الله r بذلك بقوله : "أرحم أمتي أبو بكر ، وأشدها في دين الله عمر ، وأصدقها حياء عثمان ، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأقرؤها لكتاب الله أُبَيّ ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ، ولكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" ؛ فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنّ زيداً t أعلم أمته بالفرائض .

وكذا كانت الصديقة بنت الصديق ؛ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عالمةً بالفرائض ؛ فقد سئل الإمام التابعي مسروق : أكانت عائشة تُحسن الفرائض ، فأجاب : "والذي لا إله غيره ، لقد رأيت الأكابر من أصحاب محمدٍ r يسألونها عن الفرائض" .

وجاء الفقهاء من بعد عصر الصحابة ، وأولوا هذا العلم عناية فائقة ، بدت عند تدوين الفقه الإسلامي ؛ إذ كان باب المواريث من أهم أبوابه وأدق مباحثه . وقد أفرده كثير من المصنفين بمؤلفات مستقلة ، وجعلوه علماً مستقلاً ، وسموه "علم الميراث" ، و"علم الفرائض" ، وسمّوا العالم به : "فرضياً"

لقد جاء القرآن الكريم بنظام إرث جديد أنصف فيه جميع الورثة وخاصة النساء منهم والتي كن محرومات من تركة أقربائهن في نظام الإرث المطبق عند العرب وكذلك عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

لقد بدأ القرآن الكريم بإقرار مبدأ عظيم وهو أن للنساء نصيب من تركة أقربائهن كما للرجال مهما بلغت قيمة التركة وأن هذا الحق مفروضا لهن من الله سبحانه وتعالى وذلك في قوله تعالى "لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً" النساء 7.

ولم يكتف القرآن الكريم بإنصاف النساء بل تعدى ذلك وطلب من الورثة إعطاء جزءا ولو كان بسيطا من التركة للأقارب الذين لا نصيب لهم في التركة في النظام الجديد وخاصة من كان لهم فيها من قبل نصيب تطييبا لأنفسهم وكذلك التصدق على من حضر من اليتامى والمساكين وذلك في قوله تعالى "وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفا"ًالنساء 8.

وقد أكد القرآن الكريم كذلك على عدم هضم حقوق صغار الورثة من الذكور والإناث عند القسمة من قبل كبار الورثة وكذلك الحفاظ على أموال هؤلاء اليتامى من قبل إخوانهم أو أعمامهم أو من هم في كفالتهم وخاصة في غياب رقابة الدولة على إجراءات قسمة التركة وذلك في قوله تعالى "وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً" النساء 9-10.

وبعد أن وضع القرآن القواعد العامة لنظام الإرث بدأ بتحديد أنصبة كل من ورثة المتوفى سواء كان ذكرا أم أنثى وذلك في ثلاث آيات فقط لا يتجاوز عدد أسطرها العشرة وهي مليئة بالفرائض باستخدام نظام الكسور.

وفي سبب نزول آيات الإرث هذه فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال:[ جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيدا وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال . قال: فقال: "يقضي الله في ذلك " فنزلت آية الإرث . فأرسل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى عمهما فقال: "اعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك ". فالآية الأولى تحدد أنصبة أصول وفروع المتوفى وهم الأب والأم والأولاد ذكورا وإناثا وهذه الحالة هي الأكثر شيوعا وتعالج معظم حالات التركات فقال عز من قائل "يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً" النساء 11. إن الفرض الرئيسي في هذه الآية أن المتوفى إذا ترك أولادا ذكورا وإناثا فإنهم يتقاسمون التركة بينهم بحيث يكون حصة الذكر ضعف حصة الأنثى وذلك بعد إعطاء بقية الورثة أنصبتهم أما إذا ترك إناثا فقط فإنهن يتقاسمن ثلثي التركة إن كن اثنتين أو أكثر أما إن كانت واحدة فلها نصف التركة.

أما الفرض الثاني فهو ما يتعلق بنصيب الأب والأم حيث يأخذ كل منهما السدس في حالة وجود أولاد ذكور أو في حالة وجود ابنتين أو أكثر أما في حالة وجود بنت واحدة فإن أم المتوفى تأخذ السدس ويأخذ أبوه الثلث. أما في حالة عدم وجود ذرية للمتوفى فإن الأم تأخذ الثلث والأب يأخذ الثلثان في حالة عدم وجود أخوة للمتوفى أما إذا كان له أخوة فإن الأم تأخذ السدس والأب يأخذ بقية التركة.

أما الآية الثانية فهي التي تحدد نصيب الأزواج من بعضهم البعض ونصيب الأخوة والأخوات من الأم وذلك في قوله تعالى "وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ" النساء 12.

وتحدد هذه الآية أن نصيب الرجل من زوجته المتوفية هو النصف إذا لم يكن لها ذرية والربع إذا كان لها ذرية سواء كانت هذه الذرية منه أو من غيره.

أما نصيب المرآة من زوجها المتوفى فهو الربع إذا لم يكن له ذرية والثمن إذا كان له ذرية سواء كانت هذه الذرية منها أو من غيرها وفي حالة وجود أكثر من زوجة فإنهن يشتركن في هذا النصيب إما الربع وإما الثمن.

أما النصف الثاني من الآية السابقة وكذلك الآية الأخيرة من سورة النساء فإنهما تحددان الطريقة التي يتم بها توزيع تركة الكلالة وهو المتوفى ذكرا كان أم أنثى الذي غاب أصله وفروعه أي لا ولد له ولا والد يرثونه ولكن قد يكون له أخوة.

فإذا كان للكلالة أخوة من أم فإن الآية السابقة تحدد نصيب كل منهم فإذا كان للكلالة أخ واحد فله السدس أو أخت واحدة فلها السدس كذلك وإذا كانوا أكثر من واحد ذكورا كانوا أم إناثا فإنهم يشتركون في الثلث يتقاسمونه بينهم بالتساوي للذكر مثل حظ الأنثي. لقد حدد الله سبحانه وتعالى نصيب أخوة الكلالة من أمه لعلمه أن البشر لن يستطيعوا تحديد ذلك ولكنه سبحانه ترك لهم مهمة تحديد أنصبة أخوة الكلالة من الأب بالقياس على الآية الأولى وكان بإمكانهم فعل ذلك ولكن سؤالهم المتكرر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك استلزم أن ينزل الله فيه قرآنا وهي قوله سبحانه وتعالى "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" النساء 176.

فكما هو واضح من هذه الآية فإن أخوة وأخوات الكلالة من الأب أو الأب والأم يعاملون معاملة أبناء وبنات المتوفى فإذا كان للكلالة إخوة وأخوات فإنهم يتقاسمون التركة بينهم بحيث يكون حصة الذكر منها ضعف حصة الأنثى وذلك بعد إعطاء بقية الورثة أنصبتهم أما إذا كن إناثا فقط فإنهن يتقاسمن ثلثي التركة إن كن اثنتين أو أكثر أما إن كانت واحدة فلها نصف التركة. إن هذه الآيات الثلاث وضعت القواعد الأساسية لنظام الإرث في الإسلام وهي تعالج ما يزيد عن تسعين بالمائة أو ربما أكثر من حالات التركات وقد أنشأ علماء المسلمين بابا من العلم يسمى علم الفرائض يعالج جميع حالات الإرث كنصيب الجد والجدة والأعمام والعمات وأبناء الأخوة وأبناء الأعمام وذلك بناء على الأصول الواردة في هذه الآيات وما ورد في السنة النبوية وما اجتهد به أصحاب وأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن نظام الإرث الذي جاء به القرآن الكريم
نظام مبتكر وفريد لم يسبق للبشر أن تعاملوا بمثله ولن يتمكنوا كذلك من أن يأتوا بنظام مثله أبدا. فهذا النظام قد تم وضعه على أسس واضحة ولأهداف بينة وليس بطريقة اعتباطية راعى فيه المشرع مصالح ورثة الميت الأشد قرابة. إن أشد الناس قرابة للميت هم أباه وأمه وأبنائه وبناته وزوجته بحكم المعاشرة وهم أكثر الناس حزنا عليه عند موته ثم يأتي في الدرجة الثانية أخوته وأخواته ثم أعمامه وعماته.

وعندما حصر الله سبحانه وتعالى تركة الميت على الأب والأم والأبناء والبنات والزوجة ولا تتعدى إلى الأخوة والأخوات والأعمام والعمات إلا في حالات محددة فإنما حصرها لأسباب منطقية لا يمكن لعاقل أن يجادل فيها. فالأب والأم هما السبب في وجود هذا الإبن فأمه قد حملته تسعة أشهر في بطنها ثم أرضعته ثم قامت على خدمته في حال صحته ومرضه لمدة لا تقل عن ثمانية عشر عاما وأبيه صرف عليه من ماله والذي قد يكون حصل عليه بشق النفس فوفر له المسكن والملبس والطعام والشراب والتعليم ومعالجته عند مرضه على مدى أيضا لا يقل عن ثمانية عشر عاما وقد يكون الأب وكذلك الأم قد ساهما في بناء البيت الذي سكنه هذا الإبن وربما المصلحة التي كانت مصدر رزقه.

أما الزوجة فقد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تحصيل هذه الثروة التي تركها زوجها المتوفى فهي التي أنجبت أولاده وقامت على خدمته وخدمة بيته وخدمة أولاده وبذلك وفرت له الوقت لجمع هذا المال الذي تركه وربما عملت بيديها معه في مهنته. أما أبناء الميت وبناته فهم أحوج الناس لهذا المال إذا كانوا صغارا وإما إذا كانوا كبارا فإنهم أحق الناس به فقد يكونوا ساهموا بجهدهم في تحصيل هذا المال مع أبيهم بالإضافة إلى أن هذا هو الاتجاه الصحيح لحركة المال المورث فهو ينتقل من الأباء إلى الأبناء.

وعلى هذا فإنه من الظلم الفادح أن يحرم الأب والأم من تركة إبنهم بمجرد وجود أبناء وبنات لهذا الميت وقد يكونا في أمس الحاجة لمثل هذا المال عند هذه السن الكبيرة التي تقل فيها قدرتهما على جلب الرزق وإذا ما أخذ الأب والأم شيئا من التركة فهو جزء يسير مما أنفقاه على هذا الإبن على مدى ثمانية عشر عاما على الأقل. وكذلك فإنه من الظلم الفادح أن تحرم الزوجة حرمانا كاملا من تركة زوجها سواء ترك أولادا أم لم يترك كما هو الحال في نظام الإرث التوراتي أو في أنظمة الإرث الحالية كنظام الإرث الفرنسي. فهل يعقل أن تذهب تركة زوجها إلى إخوانه وأخواته أو أعمامه وعماته وتحرم هي منه وقد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تحصيل هذه التركة! ولهذا فقد أنصف القرآن الكريم الأب والأم والزوجة في نظام الإرث الذي جاء به وأعطى للأب سدس التركة وللأم السدس كذلك وللزوجة الثمن عند وجود أبناء وبنات للميت وتزداد هذه النسب في حالة غياب الأبناء والبنات.

ولا بد هنا من الرد على الفرية التي يتشدق بها بعض أهل الكتاب والكفار من بقية البشر وهي أن القرآن قد تحيز للرجال على حساب النساء في نظام الإرث الذي جاء به فأعطى الرجل ضعف حصة المرأة.

فنقول لأهل الكتاب أولا أن من بيته من زجاج عليه أن لا يرمي الناس بالحجارة فالنص الوارد في التوراة والذي أعتقد جازما أنه قد تم تحريفه قد حرم الزوجة تماما من الميراث وحرم البنات والأب والأم كذلك بوجود الأولاد الذكور.

ونقول لمن لا دين له ارجع لنظام الإرث الفرنسي أو بقية أنظمة الإرث في العالم غير الإسلامية وستجد مدى الإجحاف الذي يلحق بالزوجة والأب والأم عند تقسيم تركة الميت.

إن القرآن الكريم لم يتحيز للرجال في أنصبة الميراث على حساب النساء إلا بسبب طبيعة النظام الاجتماعي السائد في المجتمعات البشرية والذي يقوم على قوامة الرجال على النساء وكذلك مراعاة الفروق الطبيعة بينهما.

إن قوامة الرجال على النساء نظام قائم منذ أن خلق الله البشر ولا زال قائما إلى يومنا هذا في معظم المجتمعات البشرية وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وإن أي محاولات لتغيير مثل هذا الواقع لن تفلح أبدا ما دام أن المجتمعات تقوم على النظام الأسري والذي تكون فيه في الغالب القوامة للرجال بسبب ما ميزهم الله به من قوة الجسم. والدليل على عدم تحيز القرآن الكريم للرجال هو تساوي نصاب الأب والأم في حالة وجود أولاد للمتوفى وكذلك تساوى نصاب الأخ والأخت من الأم في تركة الكلالة. وحين يحدد القرآن الكريم نصاب الإبن بضعف نصاب البنت فهو إنصاف لهذا الإبن وليس تحيزا له وذلك لأسباب كثيرة أولها أن الأعباء المادية المترتبة على الرجال في الأنظمة الاجتماعية السائدة تفوق

التوقيع: ليه الواحد ساعات يكون متضايق وتعبان

ليه ربنا اعطى البشر نعمة النسيان

علشان الكل يقوم من النوم مبسوط وفرحان

انسى الالم والحرمان وتمتع بنعم الرحمن

ان حسيت انك تعبان عليك بتلاوة القران***
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المواريث, الإسلام, كامل


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع