عرض مشاركة واحدة
قديم 10-29-2009, 10:57 AM   رقم المشاركة : [2]
احمد مختار
مشرف عام
الصورة الرمزية احمد مختار
 
إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى احمد مختار
افتراضي

الجزء الثانيحكى الله تعالى قصة رفض إبليس السجود لآدم في أكثر من سورة.. قال تعالى فيسورة (ص):

قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُبِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌمِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْمِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَالْمُنظَرِينَ (80)إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَإن حجة إبليس التي أوردها الله في آيته هذه تثير العجب فعلا.. إنه يتصور أنالنار أفضل من الطين.. فمن أين جاءه هذا العلم، والمفروض أن يكون هذا العلم عندالله، فهو الذي خلق النار والطين ويعرف أيهما أفضل..؟أدرك آدم من الحوار أنإبليس مخلوق يتصف باللؤم كما يتصف بالجحود. إنه يسأل الله تعالى أن يبقيه إلى يومالبعث، لا يريد إبليس أن يموت، غير أن الله تعالى يفهمه أنه سيبقى إلى يوم الوقتالمعلوم.. سيبقى إلى أن يحين أجله فيموت.. أدرك آدم أن الله قد لعن إبليس ، وطردهمن رحمته بسببه، أدرك أن إبليس لن ينسى له هذا الصنيع.. انتهى الأمر وعرف آدم عدوهالأبدي.. وأدهشت آدم بعض الدهشة جرأة عدوه وحلم الله عز وجل؟؟ربما قال ليقائل: لماذا استبعدت أن يكون قد جرى حوار بين الله عز وجل وملائكته.. ولجأت إلىتأويل الآيات، ولم تستبعد وقوع حوار بين الله تعالى وإبليس؟ وأقول ردا على ذلك: إنالعقل يهدي لهذه النتيجة.. إن إمكان قيام حوار بين الله وتعالى وملائكته أمرمستبعد، لأن الملائكة منزهون عن الخطأ والقصور والرغبات البشرية التي تبحث عنالمعرفة. انهم بحكم خلقهم، جند طائعون مكرمون.. أما إبليس فهو خاضع للتكليف،وطبيعته، بوصفه من الجن، قريبة من طبيعة جنس آدم.. بمعنى أن الجن يمكن أن يؤمنوا،ويمكن أن يكفروا.. إن وجدانهم الديني يمكن أن يسوقهم إلى تصور خاطئ يسند كبرياءكاذبة.. ومن هذا الموقع وبحكم هذا التكوين، يمكن أن ينشأ حوار.. والحوار يعنيالحرية، ويعني الصراع. ولقد كانت طبيعة البشر والجان مركبة بشكل يسمح لهم بالحرية،ويسمح لهم بالصراع. أما طبيعة الملائكة فمن لون آخر لا تدخل الحرية فينسيجه.

إن إبليس رفض أن يسجد لآدم.. كان الله تعالى يعلم أنه سيرفض السجودلآدم.. سوف يعصاه.. وكان الله يستطيع أن ينسفه نسفا، أو يحيله إلى حفنة من التراب،أو يخنق بعزته وجلاله كلمة الرفض في فم إبليس.. غير أن الله تعالى يعطي مخلوقاتهالمكلفة قدرا من الحرية لا يعطيه غيره أحدا.. إنه يعطيهم حرية مطلقة تصل إلى حق رفضأوامره سبحانه.. إنه يمنحهم حرية الإنكار وحرية العصيان، وحرية الاعتراض عليه.. سبحانه وتعالى. لا ينقص من ملكه أن يكفر به الكافرون، ولا يزيد من ملكه أن يؤمن بهالمؤمنون، إنما ينقص ذلك من ملك الكافرين، أو يزيد في ملك المؤمنين.. أما هو.. فتعالى عن ذلك.. فهم آدم أن الحرية نسيج أصيل في الوجود الذي خلقه الله.. وأن اللهيمنح الحرية لعباده المكلفين.. ويرتب على ذلك جزاءه العادل.

بعد درسالحرية.. تعلم آدم من الله تعالى الدرس الثاني.. وهو العلم.. كان آدم قد أدرك أنإبليس هو رمز الشر في الوجود، كما أدرك أن الملائكة هم رمز الخير، أما هو نفسه فلميكن يعرف نفسه حتى هذه اللحظة.. ثم أطلعه الله سبحانه وتعالى على حقيقته، وحكمةخلقه، وسر تكريمه.. قال تعالى:

وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَاأعطاه الله تعالى سر القدرة على اختصار الأشياء في رموز ومسميات. علمه أنيسمي الأشياء: هذا عصفور، وهذا نجم، وهذه شجرة، وهذه سحابة، وهذا هدهد، وهذه …، إلىآخر الأسماء. تعلم آدم الأسماء كلها. الأسماء هنا هي العلم.. هي المعرفة.. هيالقدرة على الرمز للأشياء بأسماء.. غرس الله في نفس آدم معرفة لا نهاية لها، وحباللمعرفة لا نهاية له، ورغبة يورثها أبناءه في التعلم.. وهذه هي الغاية من خلق آدم،وهذا هو السر في تكريمهبعد أن تعلم آدم أسماء الأشياء وخواصها ومنافعها،بعد أن عرف علمها، عرض الله هذه الأشياء على الملائكة فقالأَنبِئُونِيبِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ

(يقصد صادقين في رغبتكم فيالخلافة).. ونظر الملائكة فيما عرض الله عليهم، فلم يعرفوا أسماءه.. واعترفوا للهبعجزهم عن تسمية الأشياء أو استخدام الرمز في التعبير عنها.. قال الملائكة اعترافابعجزهم: سُبْحَانَكَ (أي ننزهك ونقدسك)، لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَاإِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (ردوا العلم كله إلى الله).

قال اللهتعالى لآدم:

يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْوحدثهم آدم عن كلالأشياء التي عرضها الله عليهم ولم يعرفوا أسمائهاقال تعالى في سورة (البقرة):

وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَىالْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ (31) صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَأَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْفَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُغَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْتَكْتُمُونَأراد الله تعالى أن يقول للملائكة إنه علم ما أبدوه من الدهشةحين أخبرهم أنه سيخلق آدم، كما علم ما كتموه من الحيرة في فهم حكمة الله، كما علمما أخفاه إبليس من المعصية والجحود.. أدرك الملائكة أن آدم هو المخلوق الذي يعرف.. وهذا أشرف شيء فيه.. قدرته على التعلم والمعرفة.. وعرف الملائكة لماذا أمرهم اللهبالسجود له.. كما فهموا السر في أنه سيصبح خليفة في الأرض، يتصرف فيها ويتحكمفيها.. بالعلم والمعرفة.. معرفة بالخالق.. وهذا ما يطلق عليه اسم الإيمان أوالإسلام.. وعلم بأسباب استعمار الأرض وتغييرها والتحكم فيها والسيادة عليها.. ويدخلفي هذا النطاق كل العلوم المادية على الأرض.
إن نجاح الإنسان في معرفة هذينالأمرين (الخالق وعلوم الأرض) يكفل له حياة أرقى.. فكل من الأمرين مكملللآخر.




التوقيع:


احمد مختار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس