الموضوع: مواسم العمر
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-25-2009, 02:36 PM
علي الدين علي الدين غير متواجد حالياً
عضو
 

Post مواسم العمر

جعل الله للأعمار مواسم، يربح فيها ممتثل المراسم، ويخسر فيها مضيّع الخير الحاسم، فهي موضوعة لبلوغ الأمل، ورفع الخلل، وما خلق الله الجن والإنس إلا لعبادته، فالطريق إليه واضح للقاصدين، والدليل عليه لائح للناظرين، فإن العبد ضعيف، والزمان صعب، والمعين قليل، والشغل كثير، والعمر قصير، وفي العمل تقصير، والناقد بصير، والأجل قريب، والسفر بعيد، والطاعة هي الزاد، فلابد منها، والعبادة ثمرة العلم وفائَدة العمر، وبضاعة الأولياء، وطريق الأقوياء، وبهذا العمر اليسير يشترى الخلود الدائم في الجنان والبقاء الذي لا ينقطع عند الرحمن، ومن فرط في العمر وقع في الخسران، فواخيبة المفرط الحيران

وإن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب منها شرف المكان، المعمول فيه ذلك العمل، ومنها شرف الزمان كشهر رمضان، فلما كان الصيام في نفسه مضاعفا أجره بالنسبة الى سائر الأعمال كان صيام شهر رمضان مضاعفا على سائر الصيام، لشرف زمانه، فإن الله خص الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال لأن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها، لله عز وجل، ولا يوجد في عبادة أخرى غير الصيام، ولأن الصيام سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه غيره، لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله، وترك للشهوات التي يستخفى بتناولها في العادة، وفي التقرب بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد منها كسر النفس، وتخلي القلب للفكر والذكر، وأن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرا من الفقراء من فضول الطعام والشراب، وأن الصيام يضيق مجاري الدم، والصوم نصف الصبر، والصبر ثلاثة أنواع، وتجتمع الثلاثة كلها في الصوم، فإن فيه صبرا على طاعة الله، وصبرا عما حرم الله على الصائم من الشهوات، وصبرا على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش، وضعف النفس والبدن.
فينبغي للعاقل أن يعرف قدر عمره، وأن ينظر لنفسه في أمره، فيغتنم ما يفوت استدراكه، وربما حصل بتضييعه هلاكه، فإن العمر بضاعة يسيرة يسافر بها إلى البقاء الدائم.
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا
ندمت على التفريط في زمن البذر
فمن عرف شرف العمر وقيمته، لم يفرط في لحظة منه، فلينظر الشاب في حراسة بضاعته، وليحفظ الكهل بقدر استطاعته، وليتزود الشيخ للحاق بجماعته، ولينظر الهرم أن يؤخذ في ساعته فالزمان يذهب والصحائف تختم.

التوقيع: اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا
....
واعمل لاخرتك كانك تموت غدا
رد مع اقتباس