بين يدي الإحرام
1 ـ يستحب لمن عزم على الحج أو العمرة المفردة ، أن يغتسل للإحرام ، ولو كانت حائضاً أو نفساء .
2 ـ ثم يلبس الرجل ما شاء من الألبسة التي لم تفصل على قدر الأعضاء ، وهي المسماة عند الفقهاء بـ ( غير المخيط ) ، فيلبس الإزار والرداء ونحوهما ، والنعلين ، وهما كل ما يلبس على الرجلين لوقايتهما مما لا يستر الكعبين .
3 ـ ولا يلبس القلنسوة والعمامة ونحوهما مما يستر الرأس مباشرة . هذا للرجل .
وأما المرأة فلا تنزع شيئاً من لباسها المشروع إلا أنها لا تشد على وجهها النقاب 1 والبرقع أو اللثام أو المنديل ولا تلبس القفازين2 وقد قال صلى الله عليه وسلم :
" لا يلبس المحرم القميص ، ولا العمامة ، ولا البرنس ، ولا السراويل ، ولا ثوباً مَسَّه وَرْسٌ ولا زعفران ، ولا الخفين ، إلا أن لا يجد نعلين ( فيلبس الخفين )3 ، وقال :
" لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين "4.
ويجوز للمرأة أن تستر وجهها بشيء كالخمار أو الجلباب تلقيه على رأسها وتسدله على وجهها ، وإن كان يمس الوجه على الصحيح ، ولكنها لا تشده عليها ، كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى .
4 ـ وله أن يلبس الإحرام قبل الميقات ولو في بيته كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وفي هذا تيسير على الذين يحجون بالطائرة ، ولا يمكنهم لبس الإحرام عند الميقات ، فيجوز لهم أن يصعدوا الطائرة في لباس الإحرام ، ولكنهم لا يحرمون إلا قبل الميقات بيسير حتى لا يفوتهم الميقات وهم غير محرمين .
5 ـ وأن يدّهن ويتطيب في بدنه بأي طيب شاء له رائحة ولا لون له ، إلا النساء . فطيبهن ما له لون ولا رائحة له ، وهذا كله قبل أن ينوي الإحرام عند الميقات ، وأما بعده فحرام .
الإحرام ونيته
6 ـ فإذا جاء ميقاته وجب عليه أن يحرم ، ولا يكون ذلك بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته ، فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده ، بل لا بد من قول أو عمل يصير به محرماً ، فإذا لبى قاصداً للإحرام انعقد إحرامه اتفاقاً .
7 ـ ولا يقول بلسانه شيئاً بين يدي التلبية مثل قولهم :اللهم إني أريد الحج أو العمرة فيسره لي وتقبله مني . . . لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا مثل التلفظ بالنية في الطهارة والصلاة والصيام ، فكل ذلك من محدثات الأمور ، ومن المعلوم قوله صلى الله عليه وسلم : " . . . فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار " .
المواقيت
8 ـ والمواقيت خمسة : ذو الـحُلَيفة ، والـجُحْفة وقَرْن المنازل ، ويَلَمْلَمُ وذاتِ عرْق ، هن لأهلن ، ولمن مَرّ عليهن من أهلهن ، ممن يريد الحج أو العمرة ، ومن كان منزله دونهن فَمَهِلَّه من منزله ، حتى أهل مكة يُهِلون من مكة .
و ( ذو الحليفة ) مهِل أهل المدينة ، وهي قرية تبعد عنها ستة أميال أو سبعة ، وهي أبعد المواقيت عن مكة ، بينهما عشر مراحل أو أقل أو أكثر بحسب اختلاف الطرق ، فإن منها إلى مكة عدة طرق كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتسمى وادي العقيق ، ومسجدها يسمى مسجد الشجرة ، وفيها بئر تسميها جهال العامة : بئر علي ، لظنهم أن علياً قاتل الجن بها ، وهو كذب .
و ( الجحفة ) قرية بينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل ، وهي ميقات أهل الشام ومصر وأهل المدينة أيضاً إذا اجتازوا من الطريق الآخر ، قال ابن تيمية :
" هي ميقات من حج من ناحية المغرب كأهل الشام ومصر وسائر المغرب ، وهي اليوم خراب ، ولهذا صار الناس يحرمون قبلها من المكان الذي يسمى ( رابغاً ) " .
و ( قرن المنازل ) ويسمى قرن الثعالب تلقاء مكة على يوم وليلة ، وهو ميقات أهل نجد .
و ( يلملم ) موضع على ليلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلاً وهو ميقات أهل اليمن .
و ( ذات عرق ) مكان بالبادية ، وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة ، بينه وبين مكة اثنان وأربعون ميلاً ، وهو ميقات أهل العراق
أمره صلى الله عليه وسلم بالتمتع
9 ـ فإذا أراد الإحرام ، فإن كان قارناً قد ساق الهدي قال : لبيك اللهم بحجة وعمرة ، وإن لم يسق الهدي ـ وهو الأفضل ـ لبى بالعمرة وحدها ، ولا بد ، فقال : " لبيك اللهم بعمرة " فإن كان لبى بالحج وحده فسخه وجعله عمرة ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وقوله : " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه . وقوله : " يا آل محمد من حج منكم فليهل بعمرة في حجة "5 وهذا هو التمتع بالعمرة إلى الحج .
الاشتراط
10 ـ وإن أحب قرن مع تلبيته الاشتراط على ربه تعالى خوفاً من العارض ، من مرض أو خوف ، فيقول كما جاء في تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم : " اللهم مِحِلّي حيث حبستني "6 فإنه إن فعل ذلك فحبس أو مرض جاز له التحلل من حجة أو عمرته ، وليس عليه دم وحج من قابل ، إلا إذا كانت حجة الإسلام ، فلا بد من قضائها .
11 ـ وليس للإحرام صلاة تخصه ، لكن إن أدركته الصلاة قبل إحرامه ، فصلى ثم أحرم عقب صلاته كان له أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث أحرم بعد صلاة الظهر .
الصلاة بوادي العقيق
12 ـ لكن من كان ميقاته ذا الحليفة استحب له أن يصلي فيها ، لا لخصوص الإحرام ، وإنما لخصوص المكان وبركته ، فقد روى البخاري عن عمر رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول : " أتاني الليلة آتِ من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في ( وفي رواية : عمرة و ) حجة " .
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه رؤي ( وفي رواية : أُرِيَ ) وهو مُعَرس7 بذي الحليفة ببطن الوادي ، قيل له : إنك ببطحاء مباركة "8.
التلبية ورفع الصوت بها
13 ـ ثم يستقبل القبلة قائماً 9 ثم يلبي بالعمرة أو الحج والعمرة كما تقدم ، ويقول : اللهم هذه حجة لا رياء ولا سمعة 10.
14 ـ ويلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم :أ ـ " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " وكان لا يزيد عليها .
ب ـ وكان من تلبيته صلى الله عليه وسلم : " لبيك إله الحق " .
15 ـ والتزام تلبيته صلى الله عليه وسلم أفضل ، وإن كانت الزيادة عليها جائزة لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم الناس الذين كانوا يزيدون على تلبيته قولهم : " لبيك ذا المعارج ، لبيك ذا الفواضل " .
وكان ابن عمر يزيد فيها : " لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، والرغباءُ إليك والعمل "11.
16 ـ ويؤمر الملبي بأن يرفع صوته بالتلبية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية "12 وقوله :
" أفضل الحج العَجُّ والثَج "13 ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحرموا لم يبلغوا ( الرَوْحاء ) حتى تبح أصواتهم14 وقوله صلى الله عليه وسلم : " كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطاً من الثَّنيِة ، له جُوار إلى الله تعالى بالتلبية "15 .
17 ـ والنساء في التلبية كالرجال لعموم الحديثين السابقين فيرفعن أصواتهن ما لم يُخْش الفتنة ، ولأن عائشة كانت ترفع صوتها حتى يسمعها الرجال ، فقال أبو عطية : سمعت عائشة تقول : إني لأعلم كيف كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سمعتها تلبي بعد ذلك : " لبيك اللهم لبيك . . . " إلخ .16
وقال القاسم بن محمد : خرج معاوية ليلة النفر فسمع صوت تلبية فقال : من هذا ؟ قيل : عائشة أم المؤمنين اعتمرت من التنعيم . فذكر ذلك لعائشة فقالت : لو سألني لأخبرته 17.
18 ـ ويلتزم التلبية ، لأنها " من شعائر الحج "18 ولقوله صلى الله عليه وسلم : " ما من مُلبّ يلبي إلا لبّى ما عن يمينه وعن شماله من شجر وحجر ، حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا ـ يعني ـ عن يمينه وشماله "19 . وبخاصة كلما علا شرفاً ، أو هبط وادياً ، للحديث المتقدم قريباً : " كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطاً من الثنية ، له جوار إلى الله تعالى بالتلبية " . وفي حديث آخر :
" كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي "20 .
19 ـ وله أن يخلطها بالتلبية والتهليل لقول ابن مسعود رضي الله عنه :
خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة ، إلا أن يخلطها بتلبية أو تهليل21 .
20 ـ فإذا بلغ الحرم المكي ، ورأى بيوت مكة أمسك عن التلبية22 ليتفرغ للاشتغال بغيرها مما يأتي .
|