الحاكم بأمر الله المنصور (985 - 1021) الخليفة
الفاطمي السادس، حكم من 996 إلى 1021 . ولد في
مصر وخلف والده في الحكم
العزيز بالله الفاطمي وعمره 11 سنة , و تكنى بـ ( أبى على ) و هى كنية أخذها بعد ميلاد إبنه ( على ) الذى تلقب بـ (
الظاهر لإعزاز دين الله ) حينما تولى الخلافة بعد إختفاء أبيه , و يعتبر البعض أن الحاكم كان آخر الخلفاء الفاطميين الأقوياء. و قد كان خليفة عادلا لا يرضى بفساد الأمور إلا أنه عابه إسرافه في القتل . كانت عيناه واسعتان و صوته جهير مخوف .اتسمت فترة حكمه بالتوتر، فقد كان على خلاف مع
العباسيين الذين كانوا يحاولون الحد من نفوذ
الإسماعيليين، وكان من نتائج هذا التوتر في العلاقات أن قامت الخلافة العباسية بإصدار مرسوم شهير في عام 1011 وفيه نص مفاده أن الحاكم بأمر الله ليس من سلالة
علي بن أبي طالب.
وبالإضافة إلى نزاعه مع العباسيين فقد انهمك أيضا الحاكم بأمر الله في صراع آخر مع
القرامطة.
سيرته وأحداث عصره
في بداية عهد الحاكم حاول بعض الطامحين إستغلال صغر سنه لتحقيق أطماعهم في السلطة فكان أولهم شيخ
كتامة ( أبو محمد بن عمار ) الذى أجبر الحاكم على توليته لشئون الدولة فأصبح هو المتصرف فيها و لُقب بـ ( أمين الدولة ) , و كان ينافسه في الوقت نفسه رجلا آخر و هو ( أبو الفتوح برجوان ) و قد كان موجودا أيام (
العزيز بالله ) و وصل إلى مرتبة ( كبير الخدم ) , و قد نجح (
برجوان ) في إثارة طوائف المشارقة ضد طوائف المغاربة الذين إستبدوا بالحكم مع سيدهم ( ابن عمار ) و كانت بينهم مواقع عديدة إنتهت بإنتصار ( برجوان ) و هروب ( ابن عمار ) . و قام ( برجوان ) بإخراج ( الحاكم ) و أخذ له البيعة من جديد , ثم تولى شئون الدولة و كون لنفسه طائفة خاصة من الجند و المماليك , ثم تلطَف بإبن عمار و منحه إقطاعاته التى كانت له من قبل و إشترط عليه الطاعة و بذلك استمال إليه المغاربة أيضا . على أن ( برجوان ) سرعان ما جنح للطغيان و الإستبداد فكان يعتبر نفسه الخليفة الحقيقى و صار يستصغر خليفته ( الحاكم ) ’ كما أنه إستغل منصبه في تكوين ثروة ضخمة له , هذا بالإضافة إلى إنشغاله باللهو و الملذات مما أدى إلى إنصرافه عن شئون الدولة التى تعطلت و فسدت من جراء ذلك , و قد نسى ( برجوان ) في غمرة ذلك أن ( الحاكم ) قد جاوز سن الصبا و دخل مرحلة الشباب و صار متنبها إلى إستبداد ( برجوان ) و تغلبه عليه , و قام ( الحاكم ) بتدبير مؤامرة لقتل ( برجوان ) و تم ذلك , و أصدر ( الحاكم ) بيانا يبرر فيه أسباب قتل ( برجوان ) , ثم قام بعد ذلك بالتخلص من رجال ( برجوان ) في الجيش و القصر كما أنه أعد كمينا لشيخ كتامة ( ابن عمار ) بأن حرض عليه بعض المشارقة الذين قتلوه ثم أفنى ( الحاكم ) أعوانه من شيوخ
كتامة . و بذلك تمكن ( الحاكم ) من إسترداد سلطانه و التخلص من كل المنافسين و السيطرة على كل مقاليد الحكم و كان حينها قد تجاوز الـ 15 سنة .
و قد أظهر الحاكم عندما تولى تقشفا و زهدا على عكس آبائه , إذ أخرج من قصره جماعة من حظاياه و أعتق سائر مماليكه من الإناث و الذكور و ملكهم أمر نفوسهم و التصرف فيما يملكونه و إقتنوه منه و من أبيه , كما إنه إنتقل تدريجيا من الملابس المذهبة على عادة آبائه إلى ملابس خشنة من الصوف , كما أنه خفف من الإسراف الذى كان يحدث في الإحتفالات بالمناسبات المختلفة , كما أنه أمر بألا يصلى عليه أحد في كتاباته و يقتصر على هذه الصيغة : (( سلام الله و تحياته و نوامى بركاته على أمير المؤمنين )) .
و قد كان الحاكم مسرفا في القتل إلى مدى كبير على أنه كان يتخذ من القتل وسيلة لا غاية لكى يحفظ دولته و يصلح شئونها .
و كان الحاكم شديدا في التعامل مع رجال دولته و كان يحاسبهم بشدة إذا أخطأوا , كما أنه إعتمد على نظر المظالم لتطهير دولته من الفساد , و كان يواصل ركوبه ليلا و نهارا على حماره و يطوف به في الأسواق و القرى لكى يسمع مظالم الناس , و قد ورث الحاكم عن أبيه العزيز بالله حرصه على توزيع المال على الفقراء و المساكين , و يشهد المؤرخون بأن يده لم تمتد على أخذ مال إطلاقا بحيث قال أحدهم - و هو نصرانى - (( لعمرى إن أهل مملكته لم يزالوا في أيامه آمنين على أموالهم , غير مطمئنين على أنفسهم )) , كما أنه أيضا حرص على تخفيف الضرائب عن رعاياه خاصة ما تعرف بضريبة المكوس .